بين المشروع و الغير مشروع سنصلى صلاة الجنازة على قطاع الصيد التقليدي بالداخلة

وجه أحد أعضاء غرفة الصيد بالجنوب، رسالة إلى العديد من المسؤولين بالمملكة قصد التدخل، و من بين هذه الجهات: مستشار صاحب الجلالة، ووزير الصيد البحري، وزير الداخلية بالرباط، ثم المفتش العام للقوات المسلحة الملكي، الجنيرال دوكوردارمي، قائد الدرك الملكي، هذه الرسالة التي وصفها صاحبها بمذكرة ترافعية حول ما يعيشه قطاع الصيد التقليدي بالداخلة، حيث تطرقت عضو الغرفة الذي قد إستقالته لرئيس الغرفة متمنيا أن يقبلها، إلى الوضع الكارثي الذي يمر منه قطاع الصيد التقليدي والذي أصبح لا يشرف، لا الصيد التقليدي ولا جميع المنتسبين إليه، حسب تعبيره مضيافا بإن تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول مدن بدون صفيح قد جاء بتوصية مفادها ” أنه ما دام مدخل الحصول على السكن هو ” البراكة ” فلا يمكن القضاء على مدن الصفيح ” ، أي أن على من يريد الحصول على حق من الحقوق أن يلج إليه عن طريق غير مشروع” وهذا مثل حي لما يعيشه قطاع الصيد البحري بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
كما ذكرت الرسالة بدور وزارة الصيد التي أقرت بأن هذه المؤسسة تصدر القرارات والدوريات والمذكرات …. لكن صاحب الرسالة تأسف لعدم تحكم الوزارة نتيجة تدخل جهات أخرى في في القطاع، مما فتح الباب أمام تقاذف المسؤوليات (كمندوبيات وزارة الصيد البحري السلطات الإقليمية والمحلية -البحرية الملكية -الدرك الملكي …) هذه الوضعية جعل قطاع الصيد التقليدي القانوني بالداخلة يتهاوى بينما الصيد الغير قانوني يتنامى بصفة مهولة، بالرغم أن الداخلة تتوفر على 3083 قارب تقليدي تصل قيمتها إلى 3 مليار و83 مليون درهم، كما يشغل قرابة 10 آلاف أسرة بصفة مباشرة واليد العاملة الغير مباشرة قد تفوق ضعف هذا العدد، حسب تعبير الرسالة التي أضافت بان القطاع يذر على الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي من مبيعات الصيادين سنويا 64 مليون درهم، كما يؤدي الصيد التقليدي بالداخلة سنويا لشركات التأمين على الأرواح البشرية 2 مليون و466 ألف 400 درهم، ناهيك عن مستحقات رخص الصيد و المكتب الوطني للصيد البحري و الجماعات الترابية بالداخلة.
وفي ظل هذا الوضع طالبت الرسالة من وزير الصيد البحري، أن يعيد لمراقبي الصيد البحري التابعين له هيبتهم ودورهم المعروف سابقا قبل أن يفوض الأمر للبحرية الملكية، وذلك بتكوين هؤلاء المراقبين وتسليحهم وتمكينهم من كافة الوسائل اللوجستية للقيام بدورهم على غرار إدارة الجمارك، والاستغناء عن البحرية الملكية في مراقبة الصيد البحري. ذلك لأنه لا يعقل أن تضحي الجهة الوصية بكل هذه المنافع وتترك قطاع الصيد التقليدي بالداخلة يموت في صمت، وفي المقابل يـفتح المجال للفوضى والتسيب وتقاذف المسؤولية؛ فمن أمن العقاب أساء الأدب تقول الرسالة.
كما ذكرت الرسالة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، بالفصل 10 من ظهير 1973 المنظم للصيد البحري و الذي ينص على ما يلي: ” يجوز لإدارة الدفاع الوطني في حالة حرب أن تمنع، لصالح الدفاع عن الساحل، الصيد في الأماكن أو خلال الليل ؛ ويمكن في حالة سلم أن تقرر نفس الموانع لمصلحة عسكرية كلما دعت الظروف إلى ذلك ؛ ويجب في هذه الحالة القيام بإشهار كاف للمنع المقرر حتى يكون الصيادون على علم تام بذلك. غير أن هذا التدبير لا يتخذ إلا بعد حصول اتفاق بين السلطة العسكرية البحرية والمصلحة المكلفة بمراقبة الملاحة. “
من المعلوم أن دور البحرية الملكية الأساسي والرسمي هو حماية مياهنا الإقليمية من العدو، إلا أن الوضع السائد في الجهة الجنوبية للمملكة وقتها، أي وقت الحرب، أتاح للبحرية الملكية أن تقوم بمراقبة الصيد البحري طبقا للفصل 10 من ظهير 1973 تحت إشراف واستشارة وزارة الصيد البحري والملاحة التجارية آنذاك. واستمر تدخل البحرية الملكية في الصيد البحري بموجب ما ذكر في الفقرة أعلاه بالرغم من زوال أسبابه.
و إستطردت لتؤكد بأن البحرية الملكية تتعامل بالقانون العسكري الذي لا يقبل المناقشة وتتحصن بهذه القوانين المبنية على الضبط والربط (نفذ ثم اشتكي) ، وتتمركز داخل ثكناتها التي يصعب على المدنيين ولوجها ومناقشة أو منازعة المسؤول العسكري.
كما حملت الرسالة المسؤولية لوزارة الصيد البحري المسؤولة والمستأمنة على القطاع قبل غيرها، لا سلطة لها على البحرية الملكية التي تقوم بدور المراقبة البحرية طبقا للفصل 43 من ظهير 1973 المنظم للصيد البحري، والذي جاء فيه : ” يبحث عن المخالفات ويثبتها متصرفوا البحرية التجارية والضباط المشرفون على السفن الحربية والضباط المشرفون على بواخر الدولة وقواد البواخر المعدة خصيصا لمراقبة الصيد البحري ومراقبة الملاحة والحراس البحريون وقواد وضباط الموانئ وضباط الشرطة القضائية وأعوان إدارة الجمارك وجميع موظفي الدولة الآخرين المؤهلين لهذا الغرض بموجب مرسوم”.
كما ترى الرسالة بأن البحرية الملكية تتصرف كخصم وحكم: تقوم بتوقيف مراكب الصيد والقوارب بحجة إرتكاب مخالفات، دون توفير أي مجال أو حق للمتضرر بالدفاع عن نفسه أو الإدلاء بشهود أو حجج، وتقوم بحجز القوارب والمراكب ومعدات الصيد لمدة تفوق الأسبوعين، إلى أن ينتقل المخالف المزعوم من الداخلة إلى أكادير (1400 كلم ذهابا وإيابا) لأداء الغرامات المالية لفائدة صندوق المنطقة الجنوبية للقوات المسلحة الملكية عوض خزينة الدولة.
هذا وكشفت الرسالة عن عناء السفر الذي يكلف صاحب القارب لأداء غرامة قد لا تفوق 1200 درهم أحيانا من الداخلة إلى أكادير، ويكلفه ذلك قرابة 5000 درهم (الذهاب والإياب والإقامة والمأكل…) إضافة إلى ما يكلفه هذا من خسائر جسيمة أخرى لثلاث بحارة وعائلاتهم الذين يقتاتون من مداخل القارب المحتجز، والمعطلون عن العمل طيلة مدة الحجز (قد تفوق الأسبوعين).
وكأن من أهم أدوار البحرية الملكية تقول الرسالة هو توفير مصدر مالي لصندوق المنطقة الجنوبية للقوات المسلحة الملكية. كما أن البحرية الملكية تفرض على من تعتبره مخالفا أن يبرم معها عقد التزام بالصلح طبقا للفصلين، 53 و54 من ظهير1973 اللذين يحددان الجهة المؤهلة لعقد الصلح مع المخالفين ولم يمنح هاذين الفصلين حق إبرام الصلح للبحرية الملكية على الإطلاق، ويـعـد هذا أخطر وأبرز خرق لما ينص عليه هاذين الفصلين. كما يعد تعسفا وتعدي على حقوق الغير، فإذا استندت البحرية الملكية على اتفاق أبرم بين وزارة الصيد البحري والمفتش العام للقوات المسلحة الملكية سنة 2013 تحمل طابع مكثوم Confidentiel، وهذا يعني إبقاؤه سر بين الإدارتين، وهو أيضا غير قانوني لأن استباحة حقوق الغير الوارد بشأنها ظهير ملكي شريف لا يمكن أن تلغيه اتفاقيات أو اتفاقات بـينية دون علم ولا قبول المعنيين بها، ولا مصادقة من السلطة التشريعية ولا من وزارة المالية. وهو عكس ما تنص عليه الفصول 243 ، 244 و 245 من القانون الجنائي: مادة 243: يعد مرتكبا للغدر، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وغرامة من خمسة آلاف إلى مأئة ألف درهم، كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أوامر بتحصيل ما يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق، سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة. إن المقصود من جريمة الغدر هو أن يتلقى الموظف العمومي بطريقة غير شرعية مبلغا من المال يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق، وهذه الجريمة جنحة في الأصل معاقب عليها بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 5000 إلى 100.000 درهم. وتختص المحاكم الابتدائية في النظر فيها ، لكن هذه الجريمة قد تصبح جناية من اختصاص محكمة العدل الخاصة إذا وصل المبلغ إلى 25.000 درهم فما فوق.ولقيام هذه الجريمة لابد من توفر العناصر التالية: صفة الفاعل(قاض أو موظف). طلب أو تلقي أو فرض أو الأمر بتحصيل مبلغ مالي (ضريبة..غرامة). أن يكون هذا المبلغ غير مستحق أو يتجاوز المستحق. أن يكون لفائدته الشخصية أو لشخص آخر أو للإدارة. أن يقوم بهذا الفعل عن قصد جنائي منه.
المادة 244 : يعاقب بالعقوبات المقررة في المادة السابق، كل ذي سلطة عامة أمر بتحصيل جبايات مباشرة أو غير مباشرة لم يقررها القانون وكذلك كل موظف عمومي أعد قوائم التحصيل أو باشر استخلاص تلك الجبايات. وتطبق نفس العقوبات على ذوي السلطة العمومية أو الموظفين العموميين الذين يمنحون، بدون إذن من القانون بأي شكل ولأي سبب كان، إعفاء أو تجاوزا عن وجيبة أو ضريبة أو رسم عام أو يسلمون مجانا محصولات مؤسسات الدولة، أما المستفيد من ذلك فيعاقب كمشارك.
المادة 245: كل موظف عمومي اخذ أو تلقى أية فائدة في عقد أو دلالة أو مؤسسة أو استغلال مباشر يتولى إدارته أو الإشراف عليه، كليا أو جزئيا أثناء ارتكابه الفعل سواء قام بذلك صراحة أو بعمل صوري أو بواسطة غيره، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس وبغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم. وتطبق نفس العقوبة على كل موظف عام حصل على فائدة ما في عملية كلف بتسيير الدفع أو بإجراء التصفية بشأنها. “
و تصيف الرسالة أنه إضافة إلى خرق الفصلين 65 و66 من قانون المسطرة الجنائية المتعلق بإجراءات التوقيف والحجز والوضع تحت الحراسة النظرية، ذلك لأن البحرية الملكية توقف المخالف المزعوم و تحجزه لساعات طوال ثم تحيله على الدرك الحربي دون إخبار أهله إلا بعد فوات الأوان…الخ. وهذا أبرز وجه من تصرفها كخصم وحكم.
كما كشفت الرسالة بأن محاضر البحرية الملكية لا تحال على النيابة العامة ولكنها تحال على الدرك الحربي الذي يحيلها بدوره على الدرك البحري أو جهة أخرى حسب التعليمات.
كما تطرق صاحب الرسالة بأن طريقة تحديد الغرامات يتم عن طريق لجنة مختلطة يحضرها مندوب الصيد البحري تجتمع بمقر المنطقة الجنوبية للقوات المسلحة الملكية بأكادير هي التي تقوم بذلك؛ وقد إعتبرت الرسالة بأن هذه اللجنة تعمل في غياب أي نص قانوني يؤهلها لذلك وليست لها أية صبغة قضائية، ولا حتى قاعدة شرعية لإصدار الأحكام وتحديد الغرامات، ولا حتى السلطة التقديرية، وقد إستدل صاحب الرسالة بالنص دستور البلاد في فصله 118 على ما يلي: ” حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون. كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا. يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية. فما هو محل البحرية الملكية من الإعراب فيما تقوم به بخصوص حق المتضررين. فلو أن الأمر يتعلق بجهة مدنية لتوجهنا إلى القضاء للدفاع عن حقوقنا ومصالحنا.
كما إعتبر صاحب الرسالة أنه لم يعد مقبولا ولا مسموحا أن يستمر هذا الوضع، كما طالبت الرسالة بتحدد المسؤوليات وأن يحترم كل متدخل مجال إختصاصه وأن ينحصر عمل ودور البحرية الملكية في المهام الخاصة بها، وأن يترك الصيد البحري لأهله: وزارة الصيد البحري والدرك الملكي بصفة عامة والدرك البحري بصفة خاصة، حسب ما جاء في الرسالة التي يتوفر الموقع على نسخة منها.
هذا وقد طالبت الرسالة من الجنيرال دوكور دارمي، قائد الدرك الملكي بإحداث سرية بحرية للدرك الملكي بالداخلة مجهزة بكافة المعدات والتجهيزات واللوازم اللوجستية والبشرية، ذلك أن هذا الجهاز مؤهل للمراقبة البحرية ويحظى بهيبة، ومحاضره يوثق بها لكونه يتمتع بالصفة الضبطية ويعمل تحت إشراف النيابة العامة طبقا للفصل 128 من الدستور؛ وأن تحدث مراكز تابعة لهذه السرية بجميع نقط الصيد بالداخلة على غرار جل موانئ المملكة، وهذا ضمان للعدالة والإنصاف وحسن التدبير.
كما إعتبرت الرسالة أن الداخلة أصبحت قاعدة خلفية للهجرة السرية ولجميع الممنوعات والصيد الغير قانوني بسبب كثافة نشاط صناعة القوارب الغير قانونية، والسبب هو تعطيل دور الدرك البحري وحصره.
وقد طالبت الرسالة وزير الداخلية بأن أمن وهيبة الدولة بيدها، لكون دور السلطة الملحية قدر تراجع بخصوص الأمن، خلال السنوات الأخيرة، بكافة نقط الصيد البحري لعدة أسباب، كما طالبت الرسالة من وزير الداخلة بتطبيق الفقرة الأولى من الفصل الأول من الدستور (ربط المسؤولية بالمحاسبة) فإن بعض مسؤولي السلطة المحلية بهذه النقط سوف يحالون على المساءلة ويعرضون للعقوبات أو العزل، نتيجة انتشار القوارب الغير قانونية بكافة نقط الصيد، و استفحال ظاهرة رواج كافة أنواع الممنوعات، والهجرة السرية انطلاق من نقط الصيد، ناهيك عن ظاهرة البناء العشوائي بشكل فاضح، و إنتشار الصيد بقوارب غير قانونية أثناء الراحة البيولوجية.
وخلصت الرسالة بقولها، أنه أمام هذا الوضع المزري، والصمت الذي يلازمه أضفى صبغة الشرعية لغير المشروع. فأصبحت أمور الغير قانوني ميسرة بينما يواجه القانوني التعسفات والإكراهات .

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة