كتاب الجديد بعنوان ثنائية المركز والطرف

يأتي الاصدار في وقت تعتبر الكتابة حول الهامش حلقة من حلقات بناء تاريخ اجتماعي شامل، ورافدا لهذا الاتجاه التاريخي الجديد «التاريخ الاجتماعي» الذي يتناول تطور وبناء التشكيلات الاجتماعية في مجتمع ما ، أو في منطقة جغرافية معينة، فهو يتعامل مع الحياة اليومية للبشر والتكتلات البشرية والعوام والنخب الهامشية، وليس مع القادة والملوك وغيرهم من الخاصة، لذلك يوصف بأنه «تاريخ من الأسفل» أو تاريخ القاعدة والمجتمعات من خلال انشغالاتهم اليومية وأنماط عيشهم ومستويات انتظامهم.لذا، فإن العلاقة بين المركز وقبائل الأطراف تكتسي أهمية بالغة في فهم واقع تاريخ المغرب بصفة عامة، إذ تكاد أغلب الأحداث والوقائع التي شهدها المغرب عبر مختلف العصور مرتبطة بنوع العلاقة التي كانت قائمة بين الحاكم والمحكومين، وتتحدد بمدى توازن هذه العلاقة أو اختلالها.
ويتهم الباحث في إصداره الجديد بالعلاقة بين السلطة المركزية والهوامش والأطراف البعيدة كمجال وادي نون، مفصلية في فهم وقياس صحة بعض الجدليات التاريخية كمسألة الخضوع التام أو الخروج المطلق عن سلطة المركز، وذلك على ضوء مجموعة من المحددات والضوابط الذاتية والموضوعية التي تتحكم في هذه العلاقة، وترسم أدوار هذا المجال والفاعلين فيه بشكل يمكن من استعادة الكثير من تفاصيل ماضيه التي كانت مقصية من الأسطوغرافيا التقليدية ذات الرؤية الفوقية.
الكتاب الذي بين أيدينا ينطوي على أهمية بالغة لتوضيح مدى ارتباط المجال الوادنوني بالسلطة الشرعية، ودور نخبه في تجسير الثقافة المحلية الجماعية، وفي الدفاع عن موقعه الاقتصادي وحياته الاجتماعية ونظمه التدبيرية، وكيفية تجاوبها مع الضغوط الأجنبية وتداعياتها المتنوعة. لقد اعتمد فيه المؤلف على استقاء معطياته من مصادر ووثائق وخزانات عائلية في ملكية أعيان المنطقة ودراسات اهتمت بالإثنوغرافيا والبنيات الاجتماعية ناهيك عن الوثائق المخزنية الرسمية، فضلا عن استقرائه النبيه للمونوغرافيات والدراسات الاستكشافية الأوربية، مع تعزيز ذلك بالدراسات المغربية الحديثة لمناطق مشابهة قصد المقارنة والفهم، الأمر الذي أتاح له تكوين صورة عن الحضور السياسي لمجال وادي نون وفاعيلته الاجتماعية والاقتصادية في مغرب القرن 19، ووتيرة تشابك علاقاته بالسلطة المخزنية القائمة، والسياسة المتبعة من لدن المركز لتدبير الشأن المجالي لهذا الطرف من المملكة الشريفة.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة