ريان حجة الله .. كتب بها قصة عنوانها “نعم بإمكانكم”
بقلم عبد الهادي مزراري
في حفرة ضيقة ومظلمة تحت عمق 30 مترا، تعرف عليه العالم وتعلقت قلوب الملايين به، ورفعت الدعوات إلى الله من أجل إخراجه حيا وإعادته إلى والديه.
سخرت بلاده بأمر من أعلى سلطة فيها كل الإمكانيات الضرورية لإنقاذه، فمسحت جبلا كاملا من وجه الأرض من أجل الوصول إليه، فيما ملايين الناس يتابعون قصته بالدعاء والبكاء، وصار في قلب كل بيت بل في قلب كل شخص.
بعد خمسة أيام حسبها الناس دهرا، خرج ريان الصغير في مشهد رهيب على تكبيرات القوم الذين حجوا إلى المكان من كل أنحاء البلاد، وما أن أضاءت الفرحة سماء ليل السبت وغادرت سيارة الإسعاف التي كانت تقله مع والديه، حتى أديع الخبر بأن ريان مات وانتقل إلى ربه.
حزن الناس حزنا شديدا في كل بقاع الأرض، ولم يستطع الصحافيون الذين ينشرون خبر وفاته في قنوات عالمية مقاومة دموعهم، وعمت الخيبة النفوس في صورة إحباط تغطرس وتقوى وتجبر على الجميع.
قالت سيدة من أمريكا “بالله ألا يوجد شخص صالح في هذا العالم يستجيب الله له؟ هل كل العالم عاق ولا يقبل له دعاء؟ ماذا فعل المسكين ليموت بعد خمسة أيام من الخوف والألم والعذاب في الظلام؟
هناك آلام لا تتحملها النفس، وأمور لا يقبلها العقل، وحكم لا تبصرها العين إلا بالإيمان.
إذا نظرنا إلى ريان من زاوية الحفرة التي مات فيها، سوف نظل نرثيه حد ما ننساه، سنبقى ضمن إطار الصورة التي توجد فيها حفارات، وأسلاك كهرباء، وجموع بشرية، وانابيب خرسانية، وكاميرات هواتف محمولة، واتصالات من هنا وهناك، ولن نفهم أبدا لماذا لم يستجب الله لنا الدعاء وقد توسلنا إليه بما دعا به يعقوب من أجل يوسف، ورجوناه أن يفعل به ما فعل بيونس الذي اخرجه من بطن الحوت، وأن يرده إلى أمه كما رد موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن؟.
لكن إذا نظرنا إلى ريان من الملكوت الأعلى، سوف نبصر الفارق الكبير بين ما اردناه له نحن، وبين ما أراده الله له.
إرادتنا جاهلة ناقصة غير مبصرة، وإرادة الله عالمة وكاملة ومبصرة.
إن ريان الذي شغل الناس من تحت الأرض، لم يكونوا يعرفوه وهو يلعب فوقها، هناك آلاف الوقائع المشابهة والمماثلة والمفجعة مثل واقعة ريان، لكن لم تنل ما نالته قصة ربان بين القصص، وهذا في حد الأمر حكمة ربانية، فالله ألقى عليه محبته وأسكنه في قلوب الملايين في خمسة أيام عسيرات.
نحن أردنا ان يعود ريان لينمو ببن والديه وإخوته، ويلعب، ويدرس، ويكبر ويتزوج ويلد، بينما لا نعلم شيئا عن طبيعة هذا المسار ولا عن مخرجاته. لكن الله أراد له أن يأخذه إليه وهو صفحة بيضاء بجوار الذين أنعم عليهم من الرسل والنبيئين والصدقين والشهداء.
ضرب الله به لنا مثلا في خمسة أيام توحدث القلوب التي كان بالأمس اصحابها يتبادلون السباب ويتقاسمون العداوة بسبب السياسة والرياضة وأمور تافهات اخرى، لقد رأى المغاربة كم يحبهم الجزائريون، ورأى الجزائريون كم يحبهم المغاربة، وفي ذلك عبرة للشعوب والامم التي صلت من أجل أن ينجو ريان من الموت.
ضرب الله به لنا مثلا في يوسف الذي ألقاه إخوته في الجب، فإذا بريان له إخوة من كل انحاء الارض يدعون الله ليخرجه سالما من البئر.
ضرب الله لنا به مثلا في يونس الذي ذهب مغاضبا فالتقمه الحوت، فيما ريان وقع في البئر لاعبا ضاحكا.
ضرب الله لنا به مثلا في موسى زمن فرعون الذي يقتل الأطفال، وما أكثر الحكام الذين يقتلون أطفال شعوبهم، فيما ملك البلاد التي يوجد فبها ريان فعل المستحيل ليعيده إلى أمه.
ضرب الله لنا به مثلا في الصالحين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا “إنا لله وإنا إليه راجعون”، وليلعم الذين في قلوبهم مثقال ذرة من الكبرياء والقسوة والظلم والحسد والسحر والمكر أن ما من أحد إلا إلى الله منقلب.
ضرب الله لنا به مثلا في الصابرين في والديه من عامة الناس والبسطاء الشرفاء، الذين مهما تعاظمت الدنيا حولهم بمظاهرها لا يكثرثون لأمرها.
ضرب الله به لنا مثلا في الدعاء الذي رفعناه إليه من أجل أن ينجيه ولم يستجب كما أردنا، فكتب في صحيفة كل منا حسنة بصلاة أو دعاء أو دمعة أو حزن أصابنا، وجعل الله عبده الطفل ريان سببا لنا في تلك الصلوات والدعوات.
ضرب الله به لنا مثلا في مواعظ كثيرة، وهو أرحم به منا، وأظهر لنا أنه بإمكاننا أن نكون أكثر أمنا وسلامة وإنسانية وإيخاء وإيمانا، فهل من متعظ؟
رحم الله ريان ورحم كل اموتنا وإنا لله وإنا إليه منقلبون.
ما هذا السلامة و الروعة في التنسيق و الكلمات الطيبة البديعة رائعة جدا
ما هذا السلاسة و الروعة في التنسيق و الكلمات الطيبة البديعة رائعة جدا