الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة ينبه لخطورة بعض المحتويات الرقمية

قال الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة، خلال الندوة العلمية المنظمة من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل حول موضوع “التربية الإعلامية: آفاق وتطلعات، إن الثورة الرقمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم اليوم قد أرخت بظلالها على مختلف مناحي الحياة المعاصرة، وأضحت مسألة مُوَاكَبَة إيقاعها المتسارع حتمية لا مناص منها، وهذا ما فرض على الدول تحديث منظوماتها التشريعية والمؤسساتية وتطويرها من أجل فهم وتقنين الظواهر المستحدثة والتصدي للسلبيات التي قد تفرزها.
كما أوضح أن مجال الإعلام لم يسلم بدوره من الاكتساح التكنولوجي والرقمي، فإلى عهد قريب كان المحتوى الإعلامي يمر حصراً عبر القنوات التقليدية كالصحف والمطبوعات الورقية وغيرها من وسائل الاتصال السمعي البصري، هذه الوسائل التي أصبحت اليوم تلقى منافسة شرسة من الإعلام الرقمي أو إعلام الوسائط المتعددة المتسم بسرعة تناقل المعلومات وتداول الأحداث وسهولة الولوج، مما جعله يستقطب أعداداً كبيرة من المتتبعين بالنظر إلى نشاطه المتنامي على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية وشبكة الأنترنيت.
وأضاف في إفتتاح المؤتمر المنظم بشراكة مع جامعة الدول العربية ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أن التربية الإعلامية أحد المداخل الأساسية لمواكبة استخدام التكنولوجيا الحديثة، لا سيما في ظل التطور الهائل الذي عرفه مجال الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة التي أصبحت سلطة مُؤَثِّرَة في مجموعة من المجالات تتجاوز الأفكار والقيم إلى عوالم أخرى ترتبط بالمجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهي تحديات تزداد يوماً بعد يوم في ظل اكتساح وسائل التواصل الحديثة لمختلف مجالات الحياة بسبب سهولة ولوجها واتساع مجالها بفضل ما توفره من خدمات وسرعة الحصول على المعلومة بالطريقة والكيفية التي يرغب فيها المرء.
كما أكد أنه بات من الضروري تفكيك مفهوم التربية الإعلامية وتطويرها لتكون قادرة على مواكبة كل هذه التحولات وفهم عقلية المتلقي”، يضيف المتحدث.

وأشار إلى أن مفهوم التربية ظهر في أواخر سنوات الستينات حيث ركز خبراء علوم التربية حينئذ على إمكانية استخدام وسائل الإعلام لتحقيق مكاسب تربوية كوسيلة تعليمية، حيث كان في هذا السياق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم دور كبير في تطوير هذا المفهوم وإرساء قواعده والتي كانت جل مؤتمراتها في ذلك الوقت تنادي بضرورة إعداد النشء للعيش في عالم تسوده سلطة الصورة والصوت والكلمة.

وذكّر الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة بـ”دور مؤتمر فيينا المنعقد سنة 1999 في تقديم رؤية متكاملة عن التربية الإعلامية، والتعريف بها وتحديد أهدافها لتمكين أفراد المجتمع من كيفيات التفاعل مع وسائل الإعلام وفهم آليات اشتغالها، وتمكينهم من اكتساب المهارات الكافية التي تمكنهم من التعامل معها بشكل إيجابي، وحمايتهم من آثارها السلبية، وترسيخ قيم المواطنة والأخلاق”.

وأبرز بلاوي أن هذا الأمر ما فتئ الملك محمد السادس يؤكد عليه في العديد من المناسبات، من بينها ما جاء في نص الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الإعلام المنعقد بالرباط في 27 يناير 2009، والتي جاء فيها “ولن يتأتى ذلك إلا بالانفتاح على التطور التكنولوجي والإعلامي والتفاعل مع العالم المتقدم، أخداً وعطاءً، مع تحصين الذات من المؤثرات السلبية”.

وأورد المسؤول القضائي ذاته أن الفرد اليوم “لم يعد في معزل عن ثقافة وعادات وقيم الآخر، بل أصبح معه في بوتقة واحدة بسبب ما تتيحه وسائل الاتصال الحديثة من إمكانيات هائلة في هذا المجال وما تبثه من مواد إعلامية محملة بمجموعة من القيم والمبادئ المتعددة، وهو ما يستوجب ضرورة البحث والتقصي في تأثيراتها لبناء آلية للتربية الإعلامية، خاصة وأن عوامل الانجذاب لها في تزايد مضطرد حيث أصبح الفرد فاعلاً أساسياً فيها من خلال مشاركته في صناعة المحتويات الإعلامية”.

وأكد بلاوي في الكلمة التي ألقاها نيابة عن رئيس النيابة العامة أن هذه الأخيرة “تستحضر أهمية التربية الإعلامية كمدخل أساسي لتأطير مستخدمي وسائط الإعلام بمختلف أشكالها، ووعياً منها كذلك بخطورة الاستعمال المتزايد لهذه الوسائط وما تتيحه من إمكانيات تقنية يمكن أن تنفذ من خلالها الكلمة والصورة والصوت بسرعة جد هائلة لتجوب العالم، وهو ما أدى إلى ظهور أشكال حديثة للجريمة، كما أدى الاستعمال السيء للفضاء الأزرق إلى ظهور نوعية جديدة من الجرائم تستغل التقدم الهائل الذي عرفه هذا الأخير وما واكبه ذلك من تسهيل الولوج إليه حيث أصبح هذا الفضاء مجالاً لارتكاب العديد من أصناف الجريمة، سواء ضد الأشخاص كالاعتداءات أو القذف أو التشهير بالحياة الخاصة، أو ضد الأموال كالنصب والاحتيال والتزوير، وغيرها من أصناف الجريمة الأخرى في إطار ما يعرف بالجريمة السبيرانية”.

وسجل المتحدث أن “النيابة العامة تضطلع بأدوار متعددة من أجل حماية المجال الإعلامي من خلال التصدي للأفعال الماسة بالحقوق والحريات الفردية أو المخلة بالأخلاقيات التي تتم عبر وسائط الاتصال ومحاربة التحريض على العنف والكراهية وغيرها”، لافتا الانتباه إلى “خطورة بعض المحتويات الرقمية التي يتم تداولها في بعض الوسائط الإعلامية والتي تمس بسمعة الأشخاص وحياتهم الخاصة”، وذكر بهذا بالخصوص أن رئاسة النيابة العامة أصدرت عدة مناشير ودوريات في هذا المجال تصب في اتجاه حماية حرمة الحياة الخاصة، مضيفا أنه “في إطار تصديها للأخبار الزائفة والمضللة التي يتم الترويج لها في بعض وسائط التواصل الرقمي، قامت النيابة العامة بتوجيه دوريات في هذا الشأن بهدف الحد من هذه الظواهر التي تؤثر على أمن وطمأنينة المجتمع”.

وركز بلاوي في كلمته على التواصل المؤسساتي الذي يعد من بين الآليات المساعدة التي من شأنها أن تساهم في إذكاء العملية التربوية التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات في إطار محاربة الأخبار الزائفة وتمكين عموم المواطنين من المعلومة الصحيحة، مشيرا الى أن “النيابة العامة بادرت إلى إطلاق برنامج طموح لتكوين القضاة الناطقين باسم النيابات العامة بشراكة مع المعهد العالي للإعلام والاتصال”.

وختم المسؤول بالنيابة العامة مداخلته بالتأكيد على أن “الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الرقمية بات يطرح اليوم على العملية التربوية وعلى القائمين عليها ضرورة مضاعفة الجهود في إطار من الإلتقائية لتطوير مفاهيم وآليات الفعل التربوي في زمن زَحْفِ الرقمنة، وذلك بالانتقال من مفهوم الدفاع المتمثل في حماية المتلقي أو المستعمل من المخاطر السلبية لهذا الاستعمال إلى مفهوم التمكين الإيجابي الذي يهدف إلى تمكين المجتمع من فهم الثقافة الإعلامية المحيطة به وحسن انتقائها والتفاعل معها في الاتجاه الإيجابي، وهي مسؤولية يتقاسمها الجميع، أفراداً وأسراً ومُجتمعاً ومؤسسات”.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة