آلة الطبل منظومة إعلامية ما قبل عالم الصحافة




تعد آلة الطبل منظومة إعلامية، إهتدى إليها مجتمع البيظان، قبل عالم الصحافة، وذلك يعود بالأساس إلى ما كان يتمتع به مجتمع البيظان من حس وبصيرة، جعلته يفكر في البحث عن وسيلة تمكنه من الحصول على طريقة من أجل بث الأخبار، الشيء الذي دفع هذا المجتمع بأن يبتكر آلة الطبل التي كانت تعتمد على إيقاعات تسمى “أتريتيم” أطبل، مؤسسا من خلالها لإعلام خاص به قبل الصحافةِ مقرؤها ومسموعِها. 
لقد شكلت آلة الطبل عند هذا المجتمع (البيظان) منظومة إعلامية متميزة، جعلت منه وعن طريق هذه الآلة التي سميت بالطبل، والتي تم صنعها من قدح خشبي تختلف أحجامه، ويشد فوقه جلد من جلود البقر عادة أو الغنم أحيانا، هذه الآلة التي لها إيقاع يمسي “أَرَاتِيمْ” وهو لفظ صنهاجي حسب بعض الباحثين والدارسين الذين يؤكدون أن التسمية هي من فعل: “يَتْرَتَّمْ” والتي تعني باللغة العربية “الضرب”، هذه الكلمة التي توجد في اللغة الفرنسية (Rythme)تحت إسم يعني الإيقاع الموسيقي. كما كان لهده الآلة (الطبل) في السابق أكثر من وظيفة إعلامية، حيث كان الطبل يضرب لإرشاد الضال، يعني الذي تاه عن مكان (لفريك) أي التجمع السكاني للرحل يعني مجمع الخيام “الفريق”، كما كان الطبل يستعمل في الإعلان عن الشيء الطارئ. وكان لهذا ” الطبل” حسب الباحثين والمهتمين “اراتيم” أي إيقاعات لكل منها معنى فمثلا إذا أراد القوم أي أهل (لفريك) إستدراك أمر مفاجئ ضربوه ضربا يسمى: “أراتيم الفزعة” أي الإعلان عن ملاحقة المعتدي، كما يضرب أيضا لإجتماع أهل الحل والعقد ويسمونه “أراتيم اجْماعة”. فعند الرحيل كان الطبل يضرب ثلاث مرات ويسمى هذا الإعلان ب “أخبيط الرحيل” ويضرب أربعا للعدول عن الرحيل إذا طرأ طارئ يجبر الجميع بعدم الرحيل.  كما أن الطبل كان يضرب ضربا خاصا كلما عادة الضالة يعني عودة ما تاه من (غنم، أو ناقة، أو جمل) وهذه الحالة لها إيقاعها على الطبل ويسمونه “الهدْي”، كما يضرب لتشهير عقد الزواج والطلاق. كما يعتبر إنتزاع الطبل في حالة الحروب وأخذه قهرا، عرف عند العديد من القبائل، التالي تعتبر الأمر بأنه الإنتصار وإغاظة للعدو وإهانة له، وهذا الإجراء أبلغ عندهم أحيانا من القتل والتنكيل.  ويشكل الطبل رمزا من رموز السيادة وعنصرا هاما في نظام القبيلة. حيث كان لكل قبيلة طبلها وإذا كان “فخذ” القبيلة قويا يكون لرئيسه طبل أيضا.  كما يسمح لشيخ القبيلة أن يحتفظ بالطبل ويحق أن يرثه من يتولى بعده. وقد أصبح الطبل لشدة إرتباطه بالقبيلة وحياتها الحربية “رمز” فيقال القبيلة الفلانية لها سبعة طبول أو ستة أو خمسة كناية عن عدد جيوشها. وقد صار الطبل أيضا جزء من الأمثلة الشعبية عند مجتمع البيظان حيث يقال في المثل الشعبي “غمْزيتْ اطبلْ” يضرب كمثل للشخص الذي لا يكتم سرا كالطبل كلما لمسته ولو بخفة صوت. وفي هذا الصدد قال أحد الشعراء “أمحمد ولد أحمد يوره” ناظما في حق هذه الآلة:
 
مغانٍ بذاتِ الطبْل لا غبَّها الوبلُ ۞ ولا غَبَّ أياما مضين بها قبلُ
 
بها ابتل جفني والحشا متحرق ۞ وروق اصطباري بينها والهوى عبل
 
غمزت بذات الطبل عينى عن البكا ۞ فجادت بأضعاف كما يغمز الطـبل

 
 

محمد سالم الشافعي

لا تعليقات بعد على “آلة الطبل منظومة إعلامية ما قبل عالم الصحافة

  1. المقال عن الطبل جد شائق وممتع .حبذا لو غصت في مثل هذه المواضيع التي تعرف بموروثنا الثقافي الأصيل.شكرا جزيلا

اترك رداً على الزروالي عبد السلام إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة