كورونا كما لم نفهمها

بقلم: عبد الهادي مزراري
        
بعيدا شيئا ما عن الجانب الطبي في جائحة كورونا كوفيد 19، نشأ خلاف سياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول مصدر الفيروس وطريقة التعامل معه،  وتبادل الطرفان اتهمات إلى حد ربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  الجائحة بالصين وأسماها الفيروس الصيني      .
كما وجهت واشنطن اتهاما إلى المسؤولين الصينيين بإخفاء الرقم الحقيقي لضحايا الوباء، فيما ذهبت لندن أبعد من ذلك، وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن إنه سيحين الوقت لمحاسبة الصين على ما اعتبره مسؤوليتها في نشر الوباء. 
من جهتها، اتهمت الصين الولايات المتحدة بالوقوف وراء ظهور الفيروس ملمحة إلى ذلك وإن لم يكن بشكل رسمي،   أن الفيروس ظهر أول مرة عند الامريكيين، وهم من نقلوه إلى الصين خلال مشاركة جنود أمريكيين في استعراض عسكري في مدينة ووهان.       
عاجلا ام آجلا ستنفجر الأزمة الشاملة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وستأخذ مداها الأبعد مباشرة بعد ان الانتهاء من معركة كورونا.     
ثمة من يتوقع اندلاع مواجهات مسلحة بين الجانبين بشكل مباشر او عن طريق وكلاء حرب في المنطقة بواسطة دول موالية لواشنطن. على خلفية أزمات قائمة  مثل النزاع في بحر الصين الجنوبي، او قضية تايوان، او تجدد مطالب الانفصال في هونغ كونغ، او بتهمة خرق بكين لحقوق الانسان ومحاربتها للمسلمين، وعلاقتها بأنظمة مارقة مثل كوريا الشمالية.        
المهم بالنسبة لواشنطن أن رزمة من التهم جاهزة، لإدانة الصين  وجرها إلى حرب استنزاف مقعدة في إطار قواعد جديدة للعلاقات الدولية سيتم استخلاصها  وصياغتها من خلال أزمة كورونا.
من جانب آخر، قد لا تكون المواجهة بين واشنطن وبكين بالضرورة حربا مسلحة، ولكنها ستأخذ شكل التجاذب نحو قطبين منفصلين متضاضدين، بحيث لن تسمح الولايات المتحدة للصين بالاستمرار في التقدم اقتصاديا وعلميا وعسكربا واكتساح المزيد من بقاع العالم. 
من جانبهم، لن ينسى الصينيون كلمات وزيري الخارجية والدفاع الامريكيين في مؤتمر الأمن في ميونخ في فبراير 2020، عندما اتهما بكين بتجاوز الخطوط الحمراء واستغلالها لتفوقها في الذكاء الصناعي وتكنلوجيا المعلومات لحد فرض سيطرتها على العالم.     
في عز أزمة كورونا ينصب الطرفان الأمريكي والصيني الفخاخ لبعضهما البعض، فالإدارة الامريكية مستمرة في تصعيد لهجتها تجاه بكين، حيث يتحدث المسؤولون الامريكيون بشكل ملفت عن النظام الشيوعي الصيني في محاولة رسم خط فاصل في ذهن الرأي العام العالمي بين العالم الحر ونظام دولة مستبد يجب مقاومته والحد من أخطاره.   
من جانبها تمارس بكين بلمسة الحرير سياسة “ارقص في غرفة نوم عدوك”، فطائراها وصلت إلى روما ومدريد وباريس ونيويوك محملة بالكمامات وأجهزة التنفس الصناعي وكاشفات الفيروس. كما ضاعفت الصين تعاونها مع منظمة الصحة العالمية، وقدمت لها نموذج محاربة كورونا انطلاقا من تجربتها الناجحة في ووهان.      
النشاط الصيني داخل منظمة الصحة العالمية أزعج الرئيس الأمريكي دونالت ترامب وهدد بوقف دعم بلاده للمنظمة، حتى ان مديرها المنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، قال إنه يعمل في وضع غير مريح وأنه تلقى تهديدات بالقتل دون أن يتهم أي جهة.        
الواضح من كل هذه المناوشات أن الولايات المتحدة وانطلاقا من أزمة كورونا تستعد لجعل نفسها في وضعية المهاجم، مسلحة بأكبر الخسائر في الارواح البشرية والاقتصادية، ويساعدها ذلك في تشكيل تحالف دولي غير تقليدي ضد الصين، كما أن إضعاف دول الاتحاد الأوروبي وربما تفكيكه سيكون مفيدا لواشنطن في فرض زعامة جديدة على العالم الغربي ومن وراؤه دول كثيرة من العالم التابع في إفريقيا وآسبا وامريكا الجنوبية وصنع خارطة يحرم على الصين اللعب فيها اقتصاديا.   
بدورها لن تكون الصين معدمة الحركة، فحتى في حال نجاح السناريو الامريكي لتطويق الصين ونسف طريق الحرير الجديد، فإن بكين لن تكون دون حلفاء خاصة في المناطق التي ينشط فيها أعداء البيت الأبيض.
كما ان الصينيين دون شك يملكون قدرات مالية وعلمية كافية لإعاقة التقدم الامريكي وكسر  إرادة واشنطن في البقاء كقوة أولى في العالم. 
      

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة