أخبار و حوادث

بعد بداية فاشلة في التدريب العسكري.. بداية الاحتكاك ببشاعة عناصر بوليساريو

إعداد :محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير أخشيشن

 كانت الكتيبة السابعة لا تزال في طور التشكل‪، لذلك لم يحتج المدربون سوى ليوم واحد كي يعلمونا الحركات العسكرية التي سبقنا بها الآخرون، وهكذا بدأنا مرحلة من التدريب الشاق، ومما زادها صعوبة كونها تصادفت مع الاستعداد للاحتفال بذكرى 20 مايو 1979 التي ت‪ؤرخ بها البوليساريو لما تسميه انطلاق الكفاح المسلح بعد أيام من التدريب المكثف بدأ المشرفون يبعدون من الصفوف كل العناصر التي لم تستطع مواكبة الحركات العسكرية المنسقة، مخافة التأثير على جودة العرض الذي أصبح على الأبواب ، وبعد حصرهم – وبطبيعة الحال كنت ضمنهم – تم توزيعنا على الأعمال الخدمية، كالنظافة والطبخ وإعداد الخيام التي سيتم نقلها إلى مخيم الداخلة الذي تقرر أن تقام فيه الاحتفالات.
لقد تم اختياري ضمن مجموعة من المساعدين للطباخ الوحيد الموجود في ذلك المعسكر، والذي يضم ما يقرب من ألفي شخص ، وفي اليوم الأول تم طردي من العمل بعد أن أثبت فشلي كطباخ، وليس ذلك لكوني لا أجيد إعداد الوجبة المقررة في ذلك اليوم والتي كانت مقتصرة على الأرز والماء والملح فقط ، إنما طردني قائدي بسبب الطريقة التي أنظف بها أواني الطبخ، حيث كنت أجد صعوبة في الوصول إلى قاعها كي أزيل بقايا الطعام منها.
كانت تلك الإوتني طويلة و واسعة مما اضطرني للدخول فيها كما لو كنت أدخل قاع بئر ، وهو الأمر الذي لم يعجب الطباخ القائد فطردني على الفور. وأذكر أن هذا القائد كان “مناضلا ” متعصبا حدالعمى الفكري، فقد هدد بالإبلاغ عن شاب بعد أن رآه يدون مبادئ الجبهة الستة عشر على هوامش عدد قديم من جريدة ” الصحراء الحرة ” التي كانت تصدرها البوليساريو.
و عندما حاول هذا الشاب المسكين إفهامه بأنه يريد أن يحفظ هذه المبادئ، ولم يجد ورقة يدونها عليها، رد عليه بلغة حادة بأن ذلك ليس مبررا للكتابة على الجريدة التي تمثل ” دماء الشهداء ” فاضطر المسكين إلى استجدائه بأن يغفر له، وأنه لن يكرر هذا الخطأ الخطير.
بعد ذلك الطرد التعسفي الذي كنت “ضحية ” له قبل أن أمارس وظيفتي الجديدة ولو ليوم واحد، تم إلحاقي بالمجموعة المكلفة بالخيام والتي كانت جاهزة للانطلاق في اليوم الموالي نحو مقر الاحتفالات ، وفي كل الأحوال كنت أعتبر نفسي رابحا، لأني سأحظى بأيام أستريح فيها من التدريب العسكري الذي كان شاقا، والذي لم يكن يشمل التدريب على السلاح والذي كان الجميع متحمسا ومتشوقا لحمله.
بعد أربعة أيام في مخيم الداخلة قضيتها ضمن مجموعتي في نصب الخيام وحراستها، عاد الجميع إلى المعسكر لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب الذي لا ينقطع ليلا ولا نهارا من أجل تحويل ذلك المنبسط إلى بناءات من الطين ، يبدأ العمل فيها بحفر الأرض وخلطها بالماء، إلى تشكيل العجين الناتج عن عملية الخلط في قوالب خشبية كي يصبح لبنات بناء،وأحيانا يتم تشكيلها لتصبح حائطا حتى قبل أن تجف.
كان بعض المشرفين على العملية يتعاملون معنا وكأننا أسرى حرب، فلم يكن أحد يستطيع أن يجلس دقائق للراحة إلا خلسة وإلا تعرض للتعنيف اللفظي وللعقوبة في بعض الأحيان، وبالرغم من التعب الشديد الناتج عن العمل الشاق المستمر وسوء التغذية الذي كان سببا في انتشار رهيب للقمل في صفوف المتدربين، إلى درجة أن تمريرة واحدة لليد على الملابس من الداخل تكفي الشخص ليصطاد عدة قملات دفعة واحدة.
كان يشترك معنا في العمل مجموعة من أسرى الحرب الموريتانيين الذين لا زالوا يومها في قبضة البوليساريو، ورغم مضي أكثر من سنة على إعلان موريتانيا خروجها من الحرب فقد كانوا يحذروننا من الحديث معهم، وكانوا يعاملون بقسوة لا نظير لها من قبل عناصر بوليساريو.
لن أنسى أبدا صورة أسير موريتاني يدعى (الشيخ الناجي)، وأعتقد أنه كان ضابطا، ولأنه كان قوي البنية أوقفته ذات يوم مجموعة أذكر منهم المسمى محمد العتيق (الروبيو) والذي كان مدربا في نفس المعسكر، ثم بدؤوا يتنافسون في من يسقطه بضربة واحدة على عنقه ويقهقهون. كان مشهدا مؤلما والأكثر إيلاما منه هو كون من شاهده لا يستطيع إلا أن يبتلع ألمه فالكل كان خائفا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: هذا المحتوى محمي من القرصنة