إسرائيل قبل أوكرانيا

بقلم عبد الهادي مزراري

في الوقت الذي تتجه أنظار الرأي العام العالمي إلى الحرب الإسرائلية في غزة ويزداد الاهتمام بمساراتها يوما بعد يوم، يكاد العالم ينسى أن هناك حربا طاحنة تدور في أوكرانيا، تشنها روسبا منذ فبراير 2022.
وفيما يطرح السؤال أين وصل الهجوم المضاد الذي تشنه القوات الأوكرانية بدعم الدول الغربية (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لاستعادة الاراضي الأوكرانية التي يسبطر عليها الجيش الروسي؟ توقف الجواب عن السؤال في 7 اكتوبر الماضي، عندما شنت قوات فلسطينية تابعة لحركة حماس هجومها الصاعق على إسرائيل.
في ذلك اليوم، شعر الرئيس الأوكراني فلودومير زلينسكي بأن كل الاهتمام الذي كانت تحظى به أوكرانيا سينتقل إلى إسرائيل، وهو الخبير بأهمية ومكانة الدولة العبرية لدى الدول الغربية.
كان شعوره في محله، خاصة عندما عرض نفسه لزيارة إسرائيل للتضامن معها إسوة بما فعله قادة الغرب، لكن إسرائبل رفضت زيارته دون أن تقدم له أي مبرر، واكتفت بالقول “إن وقت زبارة زلينسكي في هذه الظروف غير ممكن”.
لم يكن زلينسكي يحتاج لمن يشرح له السبب، فهو يعرف بأن اقتراب إسرائيل منه يقربها من مخالب الدب الروسي، الذي يوجد بالقرب من رقبتها في سوريا. لكن ليس هذا وحده من جعل الرئيس الأوكراني يصاب بالاحباط، فهو يقرأ في الحرب الإسرائيلية في غزة ما لا يقرأه سواه فيها، لقد خطفت كل الأضواء من الحرب التي يخوضها ضد الروس وتخطف أيضا المساعدات الغربية التي كانت تقدم إليه في طابق من ذهب.
قبل يومين، رفض الكونغرس الأمريكي تقديم حزمة من المال قدرها 106 مليار دولار طلبها البيت الأبيض لدعم كل من أوكرانيا وإسرائيل، لكن ممثلي الأمة الامريكية قرروا الاكتفاء بتمويل إسرائيل دون أوكرانيا.
تختبئ الكثير من الأسئلة خلف هذا القرار، رغم تحفظ البيت الابيض عليه، فهل المشكلة عالقة بقدرة التمويل لدى الولايات المتحدة أم أن هناك سبب آخر لا علاقة له بالقدرة المالية؟
هل قررت الولايات المتحدة التخلي عن أوكرانيا لصالح روسيا مقابل أن تتخلى روسيا عن اللعب في الشرق الأوسط؟
في الوقت الحالي يشعر الرئيس الروسي فلادمير بوتين بارتياح كبير للتطورات الحاصلة في الشرق الاوسط، ومن دون التعمق في التحليل السياسي، تظهر نتائج غزوة 7 أكتوبر “طوفان الأقصى” بارزة من خلال مواقف موسكو التي توالت لصالح المقاومة الفلسطينية بشكل تسلسلي، بدء من رفض موسكو في مجلس الأمن التصويت في 8 أكتوبر الماضي، على مشروع قرار أمريكي يدين حركة حماس،. وهو ما ردت عليه واشنطن في اليوم التالي برفض مشروع قرار روسي يدعو إلى وقف الحرب الإسرائيلية في غزة.
توالت التصريحات والمواقف الروسية الداعمة لفلسطين والمنتقدة لإسرائيل على لسان الرئيس الروسي كما على لسان وزير خارجيته سيرغي لافر ف ومسؤولين روس آخرين. وهو ما دفع إسرائيل لاستدعاء السفير الروسي في تل أبيب وتقديم احتجاج لديه.
ازدادت الأمور تعقيدا بالنسبة لإسرائيل وللولايات المتحدة معا عندما اكتشفتا أن الموقف الروسي ليس حالة معزولة، وانما يصطف إلى جانبه موقف الصين التي بدورها رفضت طلبا أمريكيا بإدانة حركة حماس، التي تعتبرها موسكو وبكين حركة مقاومة ضد الاحتلال.
حركت اللغة الجديدة التي تتحدث بها روسيا ومعها الصين وانضمت إليهما كوريا الشمالية شعورا لدى أمريكا بخطر داهم يتهدد إسرائيل، ولهذا حركت الولايات المتحدة كل ترسانتها الحربية باتجاه المنطقة، وحركت معها أيضا آلتها الدبلوماسية لضمان عدم توسع رقعة الحرب. فتوالت زيارات وزير الخارجية انطوني بلينكن، انطلاقا من إسرائبل إلى كل من عمان والقاهرة ودبي والرباض والدوحة.
في غضون ذلك، لم تحصل واشنطن إلا على مؤشرات تؤكد لها أن الفاعلين الإقليميين كما أكدوا لها أنهم في “وضع المراقب القلق”، سواء تعلق الأمر بأصدقاء إسرائيل في المنطقة (الاردن مصر الامارات السعودية تركيا)، أو بخصومها (إيران حزب الله الحوثيين). لكن ما استنتجه مسؤولون أمريكيون هو أن طبخة ما جرى الترتيب لها في السر، وأن من أعد من تلك الطبخة يوجد خارج المنطقة.
يتحدث الجميع بخوف شديد عن اندلاع حرب الشرق الأوسط الكبرى، مستطلعين السر الكامن من وراء إرسال الولايات المتحدة كل هذه الأسلحة بارجات حربية وحاملات الطائرات ومزبدا من الجنود، ومعها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، في مقابل ذلك توجد روسيا بقوات هائلة في سوريا، وانضمت إليها الصين التي حركت بدورها قطعا بحرية حربية باتجاه البحر الأبيض المتوسط.
في سياق هذا الحشد العسكري الدولي غير المسبوق، تبدو المواجهة بين إسرائيل وحماس مجرد قطعة ناشطة من الجمر في قلب غابة غارقة في صيف حار، ولهذا لا يتوقف الساسة في واشنطن عن سماع طبول الحرب، وهي تقرع على امتداد طريق الحرير وامتداد انابيب الغاز الروسي، مرفوقة بتحالفات تم التحضير لها تحت أغطية اقتصادية وتجارية وأمنية شملت دولا في المنطقة، وتحديدا إيران والسعودية ومصر والإمارات في إطار منظمة بريكس.
لا يساور واشنطن شك بأن الحرب التي تشغلها في أوروبا وتهتم بتحقيق النصر فيها على حساب روسيا من خلال دعم اوكرانيا، تفجر جزء منها في الشرق الأوسط، وأصبح يكسو الأهمية القسوى بسبب وجود إسرائيل في ثقب الرحى.
بدورها موسكو لا يساورها شك بأن خنق إسرائيل هو خنق لكل الانظمة الغربية ومحو جزء من نفوذها في الشرق الاوسط، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتمياهو بالقول “يعرف الغرب جيدا أن هزيمة إسرائيل هي هزيمة للغرب كله”.
لكي يبقى الغرب منتصرا يجب الانتصار على حماس وقطع كل خيوط الامداد عنها، كانت خطوطا إقليمية أو دولية، ولأجل ذلك تسارع إسرائيل في ظل تأييد غربي مطلق إلى القتل والسفك والتدمير بكل قوتها، لا شغل اليوم للغرب سوى انتصار إسرائيل.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة