رصد الزلزال الأخطر في المغرب وتداعياته


بقلم عبد الهادي مزراري


رحمة الله على من قضوا في هذا المصاب الجلل، والصبر والسلوان لذويهم أيتاما وأرامل وأمهات وآباء، وقد خط الله في قدره أن تهتز الأرض في الليل من يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 الأرض من تحت أقدام المغاربة، وفي زلزال يعد من أغرب وأعنف الزلازل على الإطلاق، لم يحدث مثيلا له منذ اكثر من 100 عام.
انطلق من عمق تحت الأرض قدر ب 18 كلم في جوفها، في منطقة الحوز، جنوب غربي مراكش، بقوة 7،2 درجة على سلم ريشتر، واتسع نطاقه لأكثر من 550 كلم، مما شمل عدة مدن في شمال المملكة ووسطها وجنويها وغربها. وتعرضت القرى المنتشرة في محيط مراكش وتارودانت وأكادير وآسفي والصويرة ووارزازات لدمار كامل.
يرتفع عدد القتلى والجرجى والمصابين مع كل يوم يمضي في البحث والانقاذ، في ظروف جد صعبة بحكم وجود الأماكن المتضررة في مناطق جبلية وعرة مع تضرر المسالك والطرق وانقطاع التيار الكهربائي.
تأسيسا على الإيمان بقدر الله خيره وشره، استوعب المغاربة الشعب المسلم هول الكارثة وتعاملوا معها بالر وح المعهودة في سلوكهم الشجاع والطيب والمتمرس على التضامن والتكافل. وكما يقال من باب الحكمة “توجد النعمة في قلب كل نقمة”، ظهرت في المغرب قوة أخرى لا تقل عن الهمة التي أبانت عليها البلاد قيادة وشعبا إبان جائحة كورونا التي أغرقت دولا عظمى في مئات الآلاف من الضحايا وفي أزمات اقتصادية خانقة لم تنهض منها بعد.
إن القوة التي أظهرها المغاربة في هذا الزلزال مستمدة من التاريخ العريق للبلاد بنظامها وشعبها، وقد أعاد الاجتماع الطارئ الذي عقده الملك محمد السادس في صباح اليوم التالي للزلزال الصورة، التي تعبأت بها الدولة في مواجهة تداعيات الجائحة تحت قيادته وبتوجيهاته.
لا يسهل استيعاب حجم الخسائر التي عرضت ما يفوق 300 ألف شخص للتشرد مع استمرار البحث عن ناجين وانقاذهم وانتشال جثث الهالكين. ففي مثل هذه الظروف إذا لم تكن الدولة معبأة بقيادة لها رؤية ميدانية استراتيجية، ويكون لها ما يكفي من الدعم المادي واللوجيستيكي فلن تستطع سد الثغرة التي خلفها زلزال بهذا الحجم.
لذلك استدعى الملك محمد السادس لاجتماعه القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والأمن الوطني، بمعية رئاسة الحكومة مصحوبة بوزارة الصحة. وأعطى تعليماته باستعمال الحد الأقصى من الجهد في إطار التنسيق بين مؤسسات الدولة للقبام بما يلزمها للإسراع بعمليات الإنقاذ، وتحديد حجم الخسائر، وتقديم التعويضات للمتضررين.
يحتاج الأمر فعلا لبرنامج استعجالي متكامل لتجاوز تداعيات الزلزال. وهذا في حد ذاته موعد آخر للمغرب والمغاربة داخل قاعة الامتحان لإثبات الأهلية في العمل وإظهار الكفاءة في الوطنية.
بكل صراحة، لم يظهر من المغرب قيادة وشعبا إلا ما يدعو للفخر، بداية من حملة التبرع بالدم التي شارك فيها المواطنون في طوابير طويلة إلى جانب أفراد قوات الأمن الوطني والدرك والجيش، حتى نفذت الأكياس الفارغة.
أضف إلى ذلك، قوافل المساعدات التي انطلقت في مواكب للشاحنات من الحسبمة والدارالبيضاء وفاس ومدن أخرى باتجاه المناطق المنكوبة. ولا يوجد مغربي لا يعاني قلبه حرقة ما لم يفعل شيئا إزاء المتضررين.
في قلب هذه النقمة، ظهرت نعمة لا تقدر بثمن، وهي على ثلاث مستويات.
على المستوى الشعبي، توحد المغاربة من البوغاز إلى الصحراء وأظهروا تضامنا لافتا، مقدمين أرقى نماذج التآزر والانضباط. كما أبدى المتضررون من المغرب العميق إيثارهم على أنفسهم بإغاثة غيرهم من الدواوير المجاورة، وظهروا في وسائل الإعلام بكامل الوعي والمسؤولية على قلة إمكاناتهم وبساطتها، وكانت تعليقاتهم على الحادث بالحمد والشكر لله على المصاب الجلل.
طبعا، هناك استثناءات لأشخاص متدمرون استعملوا شبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن سخطهم من الوضع، وينقسمون إلى فريقين، فريق متضرر يتكلم من معاناته، وفريق يريد تبخيس الجهود المبذولة، ويشبه من يريد ان يغني في مجمع العزاء.
كما أبان المجتمع المدني المغربي عن مستوى متقدم في تقديم العون، وسبقت قدمه إلى مواقع الفاجعة، وكان حاضرا بالفطرة والعزم من أجل لملمة جراح المنكوبين.
على المستوى الرسمي، أظهرت الدولة بتعليمات وتوجيهات من الملك جهدا غير مسبوق في محاولة تطويق تداعيات الزلزال وبأقصى سرعة ممكنة، ونحن في اليوم الثاني الذي أعقب الزلزال انتشرت فرق الانقاذ في معظم المناطق المتضررة، ووصلت مئات سيارات الإسعاف المدنية والعسكرية، و فتحت مستشفيات مدنية.
استخدمت الدولة الأقمار الصناعية حتى منها المعدة للرصد الأمني والعسكري، مستعينة كذلك بالطائرات المسبرة المخصصة للمراقبة في تحديد المناطق المتضررة، وسارعت فرق الاغاثة المكونة من رجال الوقاية المدنية والجيش والدرك والمسعفون.
وتنتظر الدولة بعد عملية الانقاذ أوراش مفتوحة لتعويض المتضررين وإصلاح البنيات التحتية المتضررة كما أمر الملك بذلك. وهي مناسبة كما سلف الذكر تشبه قاعة الامتحان، التي دخلها المغرب وعليه أن يثبت نجاحه، فالملك والشعب يريدان قرى نموذجية تليق بمفرب اليوم.
على المستوى الخارجي، حصلت المملكة على تضامن عالمي واسع، من طرف الدول الصديقة، والمنظمات الدولية والتكتلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية الكبرى.
بعد إعلان الامم المتحدة تضامنها مع المغرب، عبرت منظمة الصحة العالمية عن استعدادها تقديم مساعدات، كما أعلنت مجموعة 20 خلال قمتها يوم 10 شتنبر في دلعي بالهند عن قرارها بتوفير ما بحتاج المغرب من دعم لمواجهة تداعيات الزلزال.
وسارع قادة الدول في الولابات المتحدة ورسيا والصين واوكرانيا ودول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والانحاد الإفريقي للتعبير عن تضامنهم مع المغرب.
يسطر التاريخ تلاحم دول كثيرة عبر المعمور مع المملكة وتضامنها معها في هذا المصاب الجلل من باب الاعتراف لها بالمكانة التي تحظى بها لدى مختلف دول العالم، وكل ذلك بفضل علاقات ملك المغرب محمد السادس مع قادات الدول وما بتميز به من تقدير واحترام.
إلى جانب ذلك، لم تتخلف وسائل الإعلام العربية والدولية عن تغطية الأحداث، وخصصت برامج على المدار لنقل التطورات ومتابعة تداعيات الزلزال دقيقة بأخرى، وشاركها بقوة نشطاء ومؤثرون عالميون في مواقع التواصل الاجتماعي أبدوا تضامنهم وحبهم للمغرب والمغاربة.
في الشدة يعرف المرء قيمته، رحم الله الذين قضوا في هذا الزلزال، والشفاء للمصابين، والعون للمتعاونين.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة