مستعدون لحرب عالمية بلا هوادة


بقلم: عبد الهادي مزراري

سيكتب التاريخ عن أصحاب هذه الوجوه (قادة أمريكا روسيا ثم الصين وكوريا الشمالية واوكرانيا بيلاروسبا بريطانيا اليابان) أنهم لم يفعلوا ما في وسعهم لتجنيب البشرية حربا مدمرة تلقي العالم في ليل بلا آخر. فكل واحد من هؤلاء القادة ينفخ على نار الحرب لتستعر أكثر، ولا يبدو أن المساعي الدبلوماسية ستفيد في إثناء كل زعيم من زعماء هذه الدول عن التراجع عن قرار المواجهة الذي لا شك أنه بات قيد التنفيذ.
في الأسبوع الذي نودعه، عقد الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية عسكرية تاريخية مع اليابان، مضمونها باختصار “نحن كيان واحد في أي حرب تندلع في البر في البحر في الجو وحتى في الفضاء، ولو باستعمال السلاح النووي”.
قبلها ببضعة أيام وقعت اليابان اتفاقية عسكرية مماثلة مع بريطانيا تنص على الدفاع المشترك وتبادل الخبرات والتزود بالأسلحة.
تحركات طوكيو لم تأت من فراغ، فاليابان التي التزمت بالعزوف عن الحروب منذ استسلامها في الحرب العالمية الثانية، قررت مع متم العام المنصرم 2022، إجراء تعديل على استراتيجيتها العسكرية، ونقل قدراتها القتالية من منطقة الدفاع إلى حافة الهجوم.
طالما شعرت اليابان بتهديدات روسيا وكوريا الشمالية والصين، وصواريخ الدول المعادية تطير فوق سمائها، وبالتالي فالتزامها بقاعدة السلام المبنية على الاستسلام لم تعد حتى في صالح الولايات المتحدة، التي باتت القوات الصينية والكورية الشمالية تحبس عنها رياح المحيط الهادي.
الدرع العسكري الجديد بين واشنطن ولندن وطوكيو، سبقه ذرع مماثل تم رصه في صيف 2021، وبات يعرف بحلف اوكوس الذي يضم الثلاثي الأمريكي البريطاني الأسترالي. وفيما لم تكشف النوايا الحقيقية لخارطة هذه التحالفات لا يختلف إثنان حول اعتبارها خطة استباقية تحسبا لحرب وشيكة بات اطرافها الرئيسيون معروفون على الساحة الدولية.
في الجهة المقابلة، الفعل سبق القول، حيث تدور منذ فبراير 2022 رحى الحرب الروسية في أوكرانيا، التي هي في الواقع حرب بين موسكو والناتو، كان الهدف منها جر روسيا إلى مستنقع مفتعل في أوروبا لأهداف معينة ونتائج محددة سلفا، لكن الحسابات خرجت عن السيطرة، والناتو الذي استعمل أوكرانيا طعما لروسيا بات مجبرا على توسيع رقعته بضم كل من السويد والنرويج، مع ضخ ما يملك من أسلحة في الميدان الأوكراني الآخذ في الاستفحال.
خلال هذه الحرب اتضحت معالم حلف بات جاهزا لتسمية نفسه، يضم روسيا والصين وروسبا البيضاء وكوريا الشمالية، ثمة مصالح تكتيكية تميز بين هذه الدول، ولكن يجمعها العداء المشترك للغرب. وهي في حال توسبع رقعة الحرب الدائرة في أوكرانيا، أو في حال اشتعال جبهة جديدة في تايوان، أو بين الكوريتين، أو في بحر الصين – في حال ذلك- هي مستعدة للضغط على النزاد.
باتت النوايا واضحة لدى كل طرف، وفي بعض الأحيان معلنة، وعواصم هذه الدول تتبادل الاتهامات بالتجسس، والتعدي، وتقويض المصالح الاقتصادية، والمنافسة غير الشريفة، والإضرار بالسلمين الإقليمي والعالمي، وإلى غير ذلك من الاتهامات التي تأتي عادة عند مرحلة ما قبل الاشتباك.
لا يتعلق الأمر بدول من درجة ثانوية في العلاقات الدولية، وإنما بدول عظمى تملك أسلحة نووية إلى جانب ترسانات من مختلف الاسلحة الاستراتيجية معظمها يدخل في نطاق السلاح السري ولم يدخل ميدان التجربة بعد، مثل الصواريخ الفرط صوتية، وأسلحة الليزر، ولأسلحة الإلكترونية المزودة بالأقمار الصناعية المخصصة في الهجمات الالكترونية والمسيرات الذاتية وما خفي كان أعظم.
ثمة عاملان رئيسيان يمكن أن يحول أحدهما أو كلاهما دون اندلاع الحرب الشاملة، وهما إما أن تتوصل الأطراف الرئيسية للتفاهم حول إعادة رسم خارطة المصالح، والاطراف الرئيسية هنا هي الولايات المتحدة، وروسيا والصين، وفي حال عدم التوصل إلى مفاهيم دولية مشتركة، سيكون الردع النووي العامل الثاني لتجنب المواجهة الشاملة.
في حال عدم تمكن أي من العاملين من إثناء هذه القوى عن الصدام، سوف تحدث الكارثة، ولا يمكن توقع النتائج ولا حتى التفكير في اليوم التالي.
يجري سباق بين الكبار في الخفاء لحشد الحلفاء، وتوزيع الادوار، واقتسام الغنيمة بعد الانتهاء من الحرب، تلك الحرب التي لن تكون كسابقاتها ونتائجها لن تكون إلا كما في بعض افلام هليود الخيالية بقايا اشياء وبقيا دول.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة