إنسحاب فرنسي وإنتشار ل”فاغنر” في مالي

تحدثت تقارير إعلامية عالمية، اليوم الأحد عن إنتشار لمجموعة “فاغنر” الروسية بعد ما غادرت القوات الفرنسية قاعدتها العسكرية في تمبوكتو وسلمتها إلى نظيرتها المالية، في 14 ديسمبر الماضي، حتى إنتقلت إليها مجموعات مسلحة روسية خلال أيام فقط، بحسب تقرير لمجلة “الإيكونوميست”.
وذكرت الصحيفة أن الإنسحاب الفرنسي كان ضمن خطة لتقليص عدد القوات التي حلت في 2013 لمكافحة الإرهاب، والتي بلغ قوامها آنذاك 5100 فرداً، إلى النصف، والتركيز على تدريب ودعم القوات المحلية في معركتها ضد المتطرفين، الذين إجتاحوا مساحات شاسعة من مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
وللإشارة فقد كشفت المجلة، إستنادا إلى مسؤول عسكري فرنسي، أن القوة التي إنتشرت في القاعدة بلغ قوامها نحو 450 فردا، معظمهم من مرتزقة شركة فاغنر الروسية، التي أسسها يفغيني بريغوزين، أحد المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، وتقول الصحيفة إن الحكومة المالية تدفع عشرة ملايين دولار شهريا لهذه المجموعة، معظمها عيناً أي من الذهب.

وتقول حكومة مالي إنها لا تملك أسلحة تقاتل بها الإرهابيين، وإن الروس موجودون هناك بإعتبارهم مدربين، أرسلتهم حكومتهم رسميا.
وتضيف الصحيفة أنه تم رصد مسلحين روس في أجزاء عدة من البلاد، مشيرة إلى تقارير تؤكد أن “جهاديين” قتلوا مؤخرا عنصرا من مرتزقة فاغنر، وجرحوا إثنين آخرين.
وترى “ليكونوميست” أن سياسة بوتين في نشر أعداد صغيرة من المرتزقة تستهدف دعم الحكومات المستبدة، أو تلك التي لا يرضى الغرب عنها، “لأنه (الرئيس الروسي) ليس لديه أي مصلحة في مساعدة أفريقيا على أن تصبح أكثر سلمية أو ديمقراطية”.
وإعتبر المجتمع الدولي الموعد الجديد متأخرا جدا، لتعلق المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، عضوية مالي العام الماضي، ثم أغلقت دولها في التاسع من يناير الجاري حدودهم مع مالي، وفرضوا عليها عقوبات اقتصادية مشددة، بدعم من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
في المقابل، دعمت روسيا المجلس العسكري، ومنعت صدور أي قرار من مجلس الأمن يدعم العقوبات.

ويعتقد المسؤول الفرنسي أن هدف روسيا هو إخراج فرنسا وحلفائها من مالي، حتى تتمكن من توسيع رقعة نفوذها.

وتعمل موسكو، التي تعد بالفعل أكبر مورد للأسلحة إلى أفريقيا، على توسيع علاقاتها الأمنية في أفريقيا مستغلة الإضطرابات السياسية.

ووقعت روسيا العام الماضي اتفاقيات تعاون عسكري مع إثيوبيا ونيجيريا، وهما أكبر دولتين في أفريقيا من حيث عدد السكان.

واستغلت روسيا الاضطرابات السياسية في السودان لإبرام صفقة مع الجيش لإنشاء قاعدة بحرية، رغم أنها لم تنفذ بعد.

وتحذر المجلة من أن بوركينا فاسو، قد تكون التالية على القائمة الروسية، حيث قالت الحكومة في 11 يناير الجاري، إنها أحبطت مؤامرة انقلابية.

ورغم أن مالي تستعين حاليا بمرتزقة روسيا، لمحاربة الجهاديين، فإن سجل فاغنر ليس جيدا في هذه المهمة.

ففي عام 2019، أرسلت شركة فاغنر، مرتزقتها لقتال الجهاديين في شمال موزمبيق، لكنها انسحبت بعد مقتل نحو عشرة منهم، بعضهم قطعت رؤوسهم.

وفي ليبيا قاتل ما يقرب من 1200 عنصر من فاغنر إلى جانب خليفة حفتر ضد حكومة فايز السراج السابقة المعترف بها دوليا، لكنها فشلت في الإطاحة بها. واتهمت قوات فاغنر بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك قتل الأسرى والمدنيين.

وقالت دول أوروبية عدة، بما فيها فرنسا، التي سحبت نصف قوتها من مالي، في بيان مشترك في أواخر ديسمبر الماضي، إن “وجود المقاتلين الأجانب يساهم في زيادة تدهور الوضع الأمني بالغرب الأفريقي، وأنه سيعوق جهود المجتمع الدولي لضمان حماية المدنيين وتقديم دعم للقوات المسلحة المالية، مطالبة المجلس العسكري بإجراء “انتخابات في أقرب وقت”.

واتهمت دول أوروبية عدة، الحكومة الروسية بتقديم دعم مادي لنشر مجموعة فاغنر في مالي، حيث دعت هذه الدول، موسكو إلى “العودة إلى السلوك المسؤول والبناء في المنطقة”.

وقالت 15 دولة بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا: “ندين بشدة انتشار مرتزقة على الأراضي المالية”، منددة بـ”ضلوع حكومة روسيا الاتحادية في تأمين دعم مادي لانتشار فاغنر في مالي”.

في المقابل، قال الكرملين إنه لا يعرف شيئا عن الوجود العسكري للشركات الروسية في مالي وليس له صلة بها. وقال متحدث باسم الكرملين هذا الأسبوع إنه “قد يكون لديهم مصالح هناك. لكن ليس لنا علاقة بهذا”.

ويأتي الانتشار الروسي السريع لمجموعة فاغنر بعد أن غادرت القوات الفرنسية خلال وقت سابق هذا الشهر من قاعدة عسكرية بمدينة تمبوكتو في إطار سحب عسكري بعد أن كافحت لسحق تمرد المتشددين.

وبعد انتشار استمر تسعة أعوام في الساحل، أجرت فرنسا في يونيو إعادة تموضع لقواتها العسكرية، عبر مغادرة ثلاث قواعد في شمال مالي (تيساليت وكيدال وتمبكتو) والتركيز على غاو وميناكا بمحاذاة النيجر وبوركينا فاسو.

وتقضي هذه الخطة بتقليص عدد العسكريين الفرنسيين في الساحل من خمسة آلاف إلى ما بين 2500 وثلاثة آلاف بحلول 2023.

ويعكس الوضع في مالي معضلة تواجهها القوى الغربية عندما تنسحب من الصراعات أو تتجنبها في أفغانستان والشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا، حيث يبدأ تدفق المرتزقة، لا سيما من روسيا، بشكل متزايد لحماية الحكومات الضعيفة من أي تمرد، بحسب صحيفة “وول ستريت جورونال”.

وكالات

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة