استعادة هيبة الدولة … ونذير الشؤم.

لا يمكن للمرء دائما النأي بالنفس عن الخوض في نقاشات مستفزة، وغض الطرف عن مواضيع تنخر العظم بالسكين. في الأسبوع الذي نودعه صدم المغاربة لهول ما نشر في الفضاء الأزرق، عن تصريحات للمدعو البشير الذي بالمناسبة أفضل أن أسميه بنذير الشؤم، مستهدفا رمز الوحدة والاستقرار والتضامن في البلاد.
لهول ما نشر أفضل ألا أعود لتفاصيل الموضوع، لأن السفهاء وأقوالهم مدونة عبر التاريخ حتى في الكتب السماوية، فلم يتركوا نبيا ولا رسولا ولا صحابيا إلا أمطروهم بألسنة السوء، ورموهم بأقبح الأوصاف، مرضا من عند أنفسهم، وذلك قولهم وبئس ما يفعلون.
بخصوص صاحبنا نذير الشؤم، وهنا مربط الفرس، حتى في حال تصديق ما يزعم أنه تعرض للتخدير والاستدراج وإلى تحريف أقواله عن موضعها، لا بد أن يدرك أي إنسان عاقل أن تداول مثل ذلك الكلام يدخل صاحبه من أوسع الأبواب إلى حظيرة البهتان ووكر الإفك.
وحتى لا ينال نذير الشؤم من كتابتنا الاهتمام الذي لا يستحقه، ألخص شخصيته في هذا المشهد الذي حضرته وأنا أتذكر أول وآخر مرة صادفته فيها، وكان ذلك بإحدى فنادق مدينة الرباط، وكنت برفقة الراحل مولاي أحمد العلوي رحمه الله، أخذ مظلة من أحد الحاضرين وضرب بها مؤخرة نذير الشؤم، الذي التفت ضاحكا وبحركات القرد انحنى على كتف مولاي أحمد وقبله.
استغربت المشهد وسألت مولاي أحمد، “لماذا فعلت ذلك به؟”.
أجابني: “إنه ما زال يبحث عن زوج لامرأته”، في إشارة للفيلم الذي كان نذير الشؤم يمثل فيه، وفي الوقت نفسه في جواب مولاي أحمد إشارة إلى صنف هذا المخلوق الضفدعة الذي يعلم الله أن في قلبه خبث فأظهره ويريد الله أن ينزل به أشد العقاب.
في الأسبوع الذي ودعناه سمعنا أيضا من أبناء المغاربة المحتجين على الساعة الإضافية ومن أمام قبة البرلمان سبا وقذفا في رئيس الحكومة وأمه بأبشع الصفات، ورأينا علم البلاد يمزق ويداس تحت الأقدام. وهذا استمرار للاستهتار بأعراض الناس والمس بكرامتهم وإهانة الدولة، ونشر ذلك في الفضاء الأزرق بلا حسيب ولا رقيب.
المثير في الأمر كله أننا في المغرب استرخصنا هذه الحرمات، وهان علينا تبادل السب والقذف والطعن بالكلام النابي والألفاظ الساقطة دون أن يندى لنا جبين. والسبب هو أن المغاربة فقدوا البوصلة، وأصبحوا عاجزين عن معرفة من هم، أو ربما أنهم يعرفون أنهم لم يعودوا كما كان آباءهم على قدر الهيبة والوقار والحشمة التي تمتع بها السلف الصالح رغم الظروف الصعبة التي عاش فيها والأزمات التي واجهها.
فقدان الهيبة يشمل في وقتنا المشؤوم، الأب والمدرسة والشارع والدولة، فنحن لم نهيئ أنفسنا أخلاقيا وفكريا وثقافيا لاستيعاب التطور العظيم الذي عرفه مجال الاتصالات، لا ننكر أننا مجتمع محافظ في الأصل نمتثل إلى التقاليد الاجتماعية والتعاليم الدينية الإسلامية. لكننا نتركب الرذيلة وننتقد من يرتكبها، وهذا جزء من شخصية مجتمع يتحول ويتسارع لكي لا يتحول، إنها عقدة النفاق المجتمعي.
من مرحلة الضغط التي عاشها المغاربة في عهد الراحل الحسن الثاني رحمة الله عليه، والتي أعتبرها شخصيا مرحلة الضبط وليس الضغط، إلى مرحلة الحريات. ومن زمن انحصار الكلمة والرأي بيد إعلام الدولة والأحزاب، إلى عصر الإعلام الشعبي الذي أصبح بيد كل من دب وهب، حيث يكفي هاتف نقال ورابط إنترنيت ليصبح صاحبنا صحفيا ومخبرا ومحللا ومعلقا وقاذف قنابل.
بتناقل الصور والكلمات والفيديوهات في إطار شبكة تواصل مفتوحة على العالم بأسره، وجد المغاربة أنفسهم روادا في إغناء محتوى الأنترنيت بالنكت والأخبار الصحيحة والزائفة والتعاليق الراجحة والناطحة، والآراء السديدة والساقطة، وأغلب الظن أن ما ينشر هو زائف وناطح وساقط، ومع ذلك يجد المغاربة فيه ضالتهم لأنهم أصبحوا مدمنين على الإنتاج والاستهلاك.
تسبب هذا الأسلوب الجديد في الحياة للمغاربة في فقدان السيطرة على القيادة، فلا الأب أصبح قادرا على فرض هيبته في بيته، ولا رجل الأمن أصبح متمكنا من بث الحيطة في نفوس المارة في الشارع، ولا المدرس في القسم عاد يتمتع بسلطة المربي التي كان يتمتع بها أسلافه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
من جهتها، تراخت الدولة في فرض قبضتها وفقدت هيبتها، وأصبحت تسمع من مكان لآخر، “انتهى زمن الخوف”. صحيح أننا لا نريد من رموز الدولة أن تخيف الشعب ولكننا لا نقبل بأن يستصغر الشعب رموز الدولة، لا نقبل بشعب “مشرمل”، ولا نريد أن يتحول طلابنا إلى قطاع طرق ومجرمين، وأطفالنا إلى قنابل موقوتة.
من جهتها، انحنت الدولة نحو الأسفل ليركب ظهرها أشخاص ساهموا في تمييع صورتها واستصغارها واحتقارها بدعوى أنهم دعاة حرية وأصحاب فكر متنور. لا أظن أن مكانا كان يتسع لاستضافة شخص مثل نور الدين عيوش أو من هم على شاكلته ليحتل مقعدا في المجلس الأعلى للتعليم ويكون مسموح له أن يصرح بأن “حرية الجسد تسمح للرجل أن يختار مع من يمارس متعته وتسمح للمرأة أن تختار هي الأخرى مع من تستمتع”.
مثل هذا البروفيل في هكذا دولة له أكثر من دلالة على تسفيه الدولة ذاتها، حيث كان يفترض أن توضع حدود لأهواء الأشخاص وانطباعاتهم وآراءهم وأمراضهم وترهاتهم. وبدل أن تخصص لهم أضواء في الإعلام ومنابر في المؤسسات، كان من الواجب إعطاء الفرصة الحقيقية للعلماء والمفكرين وأصحاب الرأي السديد الذين يخافون الله ويحبون الوطن ويخلصون للعرش وللجالس عليه.
أليس شعارنا الله الوطن الملك؟
بقلم . عبد الهادي مزراري

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة