سيول «الساقية الحمراء» تفيض في العيون

كشفت فيضانات وادي الساقية الحمراء الأخيرة عن هشاشة البنية التحتية بمدينة العيون، حيث انهارت قنطرة سد المسيرة الخضراء، التي كلف إنشاؤها غلافا ماليا بلغ أكثر من 3 مليار سنتيم، مما يعني أن هذه المنشأة الضخمة لم تكن تتوفر فيها أدنى الشروط الفنية والتقنية.

وقد كبدت هذه الفيضانات المهولة، التي لم يسبق للمنطقة أن شهدتها منذ حوالي خمسة عقود، خسائر في الأرواح تمثلت في أفراد أسرة مكونة من أب وزوجته وابنتيه، بالإضافة إلى طفلة في مقتبل العمر. كما تم تسجيل أضرار مادية جسيمة في بعض الدور السكنية، وقطعان الإبل والأغنام والأبقار، ناهيك إتلاف العديد من الضيعات الفلاحية.

 

رحلة الموت لإنقاذ الماشية

 

حكاية يوم استثنائي عاشه أحد الكسابة من أبناء المنطقة، الذي باغثته الأمطار الطوفانية، ولم تترك له أدنى فرصة من أجل حماية قطيعه، حيث حال  فيضان وادي الساقية الحمراء دون عبوره من مدينة السمارة في اتجاه مدينة العيون. هذا الكساب بمعية رفاقه لم يتمكنوا من المرور عبر ضفتي الوادي في اتجاه ماشيتهم، التي كانت ترعى في منطقة «لعطيف» و«ورضة الحاج» شرق مدينة السمارة، لتدفعهم ظروف الحصار المائي إلى الانطلاق من السمارة عبر العيون مرورا من طريق «الحكونية» في اتجاه الشرق الشمالي، ثم العودة إلى الطريق الرابطة بين «حوزة» والسمارة، حيث اضطر هؤلاء الرعاة إلى القيام برحلة طويلة ومحفوفة بالمخاطر، بعد أن قطعت سيول وادي الساقية الحمراء الطريق بين مدينتي السمارة وطانطان، مما تطلب منهم قضاء ما يزيد عن ثلاثة أيام من أجل إنقاذ عدد كبير من الإبل والغنم، قبل أن تجرفها السيول. ورغم هذا المجهود الخرافي  لم يتمكن فريق الكسابة المغامر من إنقاذ الكثير من رؤوس الماشية بسبب قلة الوسائل الضرورية، حيث ظلت بعض القطعان تائهة في هذه المنطقة المعزولة تصارع الموت، بينما نفقت أعداد أخرى جراء انجرافها مع السيول القوية في اتجاه المحيط الأطلسي.

وشهدت جماعة فم الواد أهم الخسار في الضيعات الفلاحية، خصوصا في المنطقة الموجودة في مجرى فيضان وادي الساقية الحمراء، حيث جرفت السيول عددا من رؤوس الأبقار والأغنام، قدرت بالمئات، بالإضافة إلى إتلاف المحصول الزراعي وتدمير كلاء الماشية المتكون من الفصة والذرة. كما طال الخراب المعدات والتجهيزات الفلاحية. وغمرت المياه المخازن والاصطبلات.

 

السيول تحاصر البلاد والعباد

 

تسبب فيضان وادي الساقية الحمراء في معاناة جل أحياء مدينة العيون من نقص جد حاد ومهول في المياه الصالحة للشرب، بالرغم من كون السيول المخربة لم تصل إلى البنية التحتية لمصلحة الماء الصالح للشرب، ولكنها عاقت وصول الشاحنات المزودة للمدينة بالماء الشروب، بحكم إغلاق الطريق الوطنية رقم 1 القادمة من مدينة طانطان. كما شهدت أجزاء من المدينة انقطاعات متتالية للتيار الكهربائي، بالاضافة إلى غياب وسائل الاتصال عن العديد من المدن المجاورة، حيث أصيبت الشبكة العنكبوتية بالشلل، مما أثر على بعض المصالح الإدارية. 

ولم تسلم أيضا بعض الفنادق الساحلية من بأس الفيضان، حيث اجتاحتها السيول الجارفة، ولكن لحسن الحظ كانت فارغة، مما حال دون وقوع خسائر بشرية، بينما تسببت هذه السيول في تدمير كورنيش فم الواد الموجود بالجهة الشمالية.

وشهدت الطريق الرابطة بين العيون ومدينة السمارة، خلال حصار الفيضان، اكتظاظا كبيرا للشاحنات الكبيرة والصغيرة وحافلات النقل، بالاضافة إلى السيارات الخاصة والعامة، بعد أن تحولت هذه الطريق التي تم فتحها مؤقتا في وجه حركة السير، إلى السبيل الوحيد للعبور.

وشهدت  الطريق الوطنية رقم 14 الرابطة بين إقليم السمارة ومدينة طانطان منذ انتهاء أشغال الترميم بها، خصوصا في محاورها على ضفاف واد الساقية الحمراء، خلال يوم واحد عبور حوالي 1750 سيارة وشاحنة، منها 850 في اتجاه الشمال، عبر مدينة طانطان، و900 في اتجاه الجنوب عبر مدينة العيون. وقد تم تسجيل خلال هذه العملية عبور حوالي 1000 شاحنة من الحجم الكبير، منها حوالي 500 شاحنة كبيرة نحو الجنوب، من بينها عدد من الشاحنات المحملة بعدد هائل من كميات المؤن والمواد الغذائية المتجهة إلى الاستهلاك الداخلي بأسواق الأقاليم الجنوبية. في حين عبرت 750 سيارة من الحجم الصغير في الاتجاهين.

كما قضى الكثير من المسافرين أيام ترقب وتوجس إما بمدينة طانطان أو بجماعة أخنير أو طرفاية أو على ضفاف نهر الساقية الحمراء، سواء بالقرب من مدينة السمارة أو بمدينة العيون، نتيجة المياه التي قطعت الطريق الرابطة بين العيون وباقي المدن الشمالية من المملكة. كما هو الشأن بالنسبة للطريق الوطنية رقم 14 الرابطة بين السمارة وطانطان. هذا الحصار الذي شهدته المدن الجنوبية، تسبب في خصاص كبير في الخضر والفواكه، مما سجل ارتفاع الأثمان.

 

السلطات تطلق عمليات الإنقاذ

 

بتعليمات من جلالة الملك محمد السادس، قام يوم الأحد الماضي، وفد وزاري يتكون من وزير الداخلية والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية والوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن المكلفة بالماء، بزيارة إلى مدينة العيون للاطلاع على مخلفات فيضان وادي الساقية الحمراء، جراء التساقطات المطرية التي عرفتها مؤخرا المناطق الجنوبية للمملكة، ومعاينة حجم الخسائر التي خلفتها السيول، والتي أدت إلى تسجيل حالة وفاة واحدة. وأوضح المصدر ذاته، أن الوفد الوزاري عقد اجتماعا بالمنتخبين المحليين خصص لدراسة الوضعية بالجهة وعرض المطالب والحاجيات اللازم توفيرها على المديين القريب والمتوسط. كما عبر المنتخبون، بهذه المناسبة، يضيف البلاغ، عن امتنانهم لهذه الالتفاتة المولوية والعناية الكريمة التي ما فتئ يحيط بها جلالة الملك سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة

وعلم لدى السلطات المحلية بإقليم السمارة، أنه تم مساء اليوم الإثنين المنصرم، إعادة فتح الطريق الوطنية رقم 14 الرابطة بين السمارة وطانطان، في وجه حركة المرور وذلك بعد الجهود المتواصلة التي بذلتها السلطات المحلية وفرق وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك.وقد عرف الإقليم مؤخرا تساقطات مطرية غزيرة، فاق معدلها الثلاثين ملم مكعب، وكانت مصحوبة برياح قوية، مما تسبب في جريان واد الساقية الحمراء وارتفاع منسوبه المائي وانقطاع الطريق الوطنية رقم 14 الرابطة بين السمارة وطانطان، وكذا قطع بعض الطرق وعزلة مناطق أخرى بسبب سيول الوديان.وسجلت المصادر ذاتها أن الإجراءات الاستباقية التي تم القيام بها طيلة فترة تهاطل الأمطار، بما في ذلك إجراء عمليات تمشيط واسعة وطلعات بواسطة مروحية تابعة للقوات المسلحة الملكية، معدة خصيصا لمثل هذه الحالات ومجهزة بكل حاجيات الإسعاف والتطبيب، جابت كل الأرجاء والمناطق المتضررة، إضافة الى تسخير وتجنيد الموارد البشرية اللازمة في كل النقاط الرئيسية بالإقليم سواء بمدخل المدينة أو على مستوى الجماعات الترابية، حالت دون وقوع خسائر في الأرواح.كما تواصلت، عمليات الإجلاء والإغاثة للسكان المتضررين والمحاصرين جراء التساقطات المطرية، التي شهدها إقليم السمارة،مؤخرا، حيث تم إجلاء أربعة أشخاص، وتزويد حوالي 180 شخصا بالوسط القروي بالمؤن والمواد الغذائية الضرورية والأدوية.

وحسب بلاغ للسلطات المحلية، فإن عمليات الإنقاذ والتمشيط، التي قامت بها مصالح الدرك الملكي والوقاية المدنية بتنسيق مع القوات المسلحة الملكية، بواسطة مروحية تابعة للقوات المسلحة الملكية، معدة خصيصا لمثل هذه الحالات ومجهزة بكل حاجيات الإسعاف والتطبيب، ناهزت 51 تدخلا على امتداد النفوذ الترابي للاقليم.ومكنت هذه العمليات من اجلاء 38 شخصا حاصرتهم المياه بالجماعة القروية سيدي احمد لعروصي، و12 شخصا بضفاف واد الساقية الحمراء، وتزويد شخص واحد بجماعة التفاريتي وتحديدا بمنطقةتزوةبالمؤونة اللازمة. وأضاف المصدر ذاته أن الإقليم عرف تساقطات مطرية غزيرة، خلال اليومين الاخيرين فاق معدلها الثلاثين ملم مكعب، وكانت مصحوبة برياح قوية، مما تسبب في قطع بعض الطرق وعزلة مناطق أخرى تضم عائلات بسبب سيول الوديان وارتفاع منسوبها.

 

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة