مخطط “أليوتيس” تبخر بين عدم تطبيقه وتفشي ظاهرة التهريب

خلف قرار عدم إستئناف صيد الرخويات “الأخطبوط” جنوب سيد الغازي، الذي إتخذته وزارة الصيد، بناء على توصيات المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري إلى غاية 15 دجنبر 2022، عدة ردود أفعال و تساؤلات ولا سيما أنه سيمتد لمدة تسع أشهر، وهي أطول فترة راحة أبيولوجية منذ تبني مخطط تهيئة مصاييد الأخطبوط صيغة 2004، ومما زاد الطينة بلة هو منع جميع أنواع أنشطة الصيد بالوحدة الفرعية الممتدة من جنوب سيد الغازي إلى شمال العين.
وإعتبر المتتبعين أن قرار شل جميع الأنشطة يعد ضربة للإقلاعي الإجتماعي والاقتصادي،
الذي بدأ يتعافى من جائحة كورونا، كما حرم القرار شريحة عريضة من المهنيين الذين لا يتعاطون إلى التهريب الذي كان النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة لوزارة الصيد، بعدما تفشت ظاهرة صيد الأخطبوط بشكل كبير في عز الراحة البيولوجية، ولم تجد كافة المصالح المتداخلة في القطاع بُداً لفك شفرة هذه الآفة.
إلى ذلك أكد مهنيون أن ما قامت به وزارة الصيد من قرارت، هو دليل على أن جل الإستراتيجيات المتعلقة بالقطاع قد أصيبت بخلل كبير من ناحية التسيير الإداري و المهني، في حين شكك البعض في نجاعة هكذا قرارات، على إعتبار أن عدة قرارات من هذا القبيل فشلت نتيجة التسيب والفوضى التي عمت القطاع و ساهمت في تدمير الثروة البحرية، غير أن تدهور مخزون الأخطبوط عجل بإستنفار جل مهنيي القطاع، نظراً للحالةالمزرية التي وصل إليها مخزون الأخطبوط و الأسماك سطحية بالأقاليم الجنوبية، وذلك بسبب الفوضى التي عرفها القطاع بالشمال والوسط ثم جنوب المملكة وبلغت ذروتها، بسبب إفراغ مخطط تهيئة المصايد “اليوتيس” من محتواه، هذا المخطط الذي أشرف على إنطلاقته جلالة الملك سنة 2009، والذي جاء بمجموعة من الإجراءات التي أعتبرت أنها ستساهم في حماية القطاع ولو جزئيا من كل ما علق به من شوائب كالصيد المفرط والجائر دون أي رادع قانوني.
مما شكل لدى المهنيين مؤشرات و معطيات تدل على أن هذا المخزون أصبح يعرف تراجعاً مستمراً، لا يمكن تداركه إلا بإتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات الحازمة لوقف هذا النزيف الحاد الذي ضرب المخزون.
ويرى مهنيون بجهة الداخلة أن قطاع الصيد، بالرغم من المكانة التي يحتلها القطاع الذي لا يمكن فصله عن قطاعات أخرى أكانت صناعية او تجارية التي تجعله يرتبط بالسوق العالمية ويساهم في جلب العملة الصعبة، كان من المفروض أن تكون هناك آليات راذعة للحفاظ على الثروة.
ويقول أحد المهنيين بمدينة الداخلة الذي كان يتحدث إلى الموقع أن الوضعية التي يعيشها قطاع الصيد البحري بالجهة بصفة خاصة والمملكة بصفة عامة كان محطة تجارب لعدة مخططات عبر عدة مراحل، لكن جلها كانت فاشلة – حسب تعبيره – ومنها مخطط تهيئة المصايد “اليوتيس” الذي كان في صلب إهتماماته النهوض بالقطاع وحمايته من الصيد المفرط و الجائر، مع إتخاذ كافة التدابير القانونية الصارمة، لكن كل شيء جرفته سيول الفوضى وغض الطرف عن تطبيق محتوى قرارت المخطط “أليوتيس” وجعلها شعار يتم تداوله على وسائل الإعلام وتمطيطه من خلال الندوات، دون تتبع المخطط بما يلزم ليكون تجربة رائدة، لكنه مع كامل الأسف يقول المصدر تحول إلى نزيف للثروة.
ويضيف المصدر قائلا: إن أي تقييم لهذا المخطط لا يمكن أن يكون مقنعا او ذي مصداقية، إلا إذا كان نابعاً من التجربة الميدانية و الممارسة اليومية و الدائمة، والفعلية لجميع أنواع مراحل الصيد، مرورا بالصياد التقليدي وصولاً إلى وحدات المعالجة و التبريد والمصانع.
كما لم يخفي المصدر أن الكثير من المهنيين بجهة الداخلة كان لهم رأي أخر رغم أن هذا الرأي يعتبره البعض بأنه “شارد”.
وقد خلص المصدر بأنه من بين أسباب تراجع قطاع الصيد البحري بجهة الداخلة وإستنفار المهنيين الذي جاء متأخراً، هو دليل على الفشل الذريع الذي طال المهنيين ذاتهم و عدم مساهمة أغلبيتهم بالمطالبة بتفعيل مخطط “أليوتس” كما جاء.
هذا في الوقت الذي عبر بعض المهنيين الذين سألهم الموقع عن الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل و التدهور الذي حل بالثروة السمكية، والذي إعتبر جلهم بأن المخطط (أليوتيس) بأنه منقول من جهات أخرى كانت محطة تجارب بأماكن لا علاقة لها بواقع الصيد البحري ببلادنا نظراً لإنعدام وافتقار آليات المراقبة والتحكم في الثروة السمكية (المكان، والزمان).
ويضيف هؤلاء أن التركيز على قطاع الصيد كقطاع محوري وحيوي لحل كل أزمات البطالة و مشاكل التنمية الشاملة مما ولد الضغط على الثروة وخصوصاً المخزون السمكي المتجدد.
كما أن جل المهنيين بقطاع الصيد البحري الذين إستطلع الموقع رأيهم أعابوا على مخطط “أليوتيس” أنه قد قام بإعتماد الحصة الفردية “الكوطا” و تطبيقها على جميع مخططات التهيئة الأخرى، هذا القرار الذي خلف نتائج عكسية نظرا لعدم ملائمته وإستحالة ظهور نتائجها على القطاع والمخطط، لانها لا تخدمه وخاصة الأصناف المستهدفة، وقد إعتبرت المصادر أن إنعكاسات (الكوطا) على أنواع الصيد البحري بالمنطقة قد خلفت وضعا كارثيا فبالنسبة للصيد التقليدي فقد خلقت الحصة الفردية شكل جديد من الريع الإقتصادي، حيث كراء الزورق وبيع الحصة ساهم في حرمان البحارة من العمل بصفة قانونية، بل أن أغلبهم لم يعد يتمتع بحقوقه القانونية من قبيل الإستفادة من حقهم في الضمان الاجتماعي “CNSS”هذا فضلا عن ظهور الزوارق المعيشية التي تحدث عنها هؤلاء المهنيون بأنها فاقت 1500 قارب، إضافة إلى ما أصبح يعرف بتداول شواهد certificat de capture على المستوى الوطني لتبييض المنتوج المصطاد، وبالتالي يرى المهنيون أنه من المستحيل تطبيق واحترام الراحة البيولوجية لصعوبة التحكم في هذه القوارب إنطلاقا من مراكز وقرى الصيد رغم الآليات المتخذة من طرف الوزارة والمكتب الوطني للصيد.
أما على مستوى الصيد بأعالي البحار فقد كانت نظرت غالبية المهنيين جد متشائمة نتيجة إستعمال هذه البواخر لوسائل أقل ما يقال عنها بأنها ليست خاضعة للمراقبة و التتبع الدقيقين من أجل إيقاف النزيف الذي تلحقه هذه البواخر بالثروة، وذلك من خلال لجوء جلها إلى التخلص في أغلب الأحيان من الكثير من أنواع الأسماك التي لا تتلائم ومجال التسويق “حجما” مع الإكتفاء بالبحث عن الأصناف المطلوبة للتخزين والتسويق، مما يجعل أحجام من الرخويات الأخطبوط تتعرض لدمار الممنهج،كما أن جل هذه البواخر تعتمد على شباك محرمة وممنوعة عالميا.
هذا وقد إنتقد جل المهتمين والمتابعين بالإضافة إلى مجموعة من مهنيي قطاع الصيد بالداخلة، القرار الذي تم إتخاده من أجل السماح لبواخر (RSW) ولوج المخزون الوحيد من السمك السطحي المعروف بمخزون (C) من أجل أن تستفيد المعامل و وحدات التجميد من حصة هذا المخزون لكن النتيجة كانت عكسية وغير مجدية لا من ناحية الطريقة التي تعتمدها هذه البواخر والتي لا تتلائم وطريق إصطياد صنف “السردين” مما جعل ما بين 50٪ إلى 60 ٪ من الكمية المفرغة تتجه إلى معامل دقيق السمك، هذا الوضع أثر على المخزون الذي تراجع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، كما اعاب بعض المهنيون أن عدم تقييم المخطط زاد من خطورة الوضع الذي أصبح كترثيا.
وقد شكلت الإحصائيات التي تخللتها أرقام صادمة، وذلك إستنادا كذلك إلى التراجع الذي حصل في المخزونات السمكية، التي يشهد عليها تدهور القطاع الذي تمخض عنه هذا التوقف الذي أثر بشكل كبير على الوضعية الإقتصادية والإجتماعية، كارتفاع البطالة بالأقاليم الجنوبية، ناهيك عن الإنعكاسات الخطيرة على كافة القطاعات الأخرى وخصوصا البيئية منها، مما جعل الكثير من التساؤلات تتناسل من طرف المهنيين حول الحلول التي يمكن أن تتخذها الجهات المسؤولة لتصحيح الوضع، المرتبط بنصج المهنيبن و الإدارة من أجل تغليب مصلحة القطاع الذي يعد من بين القطاعات التي تضمن جملة من القضايا من تغدية و شغل، هذا الأمر الذي يتطلب إشراك كل الفاعلين في القطاع دون إستثناء أو إقصاء مع فتح نقاش موضوعي للخروج من الأزمة الحقيقية والسكتة القلبية التي يعيشها القطاع من أجل حاضر ومستقبل يحفظ الثروة من المزيد من التدهور.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة