ردا على ماركون في خطاب الجمعة المسلمون: من نحن؟


بقلم عبد الهادي مزراري
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب له يوم الجمعة 2 أكتوبر 2020، “إن الإسلام اليوم في أزمة”، وفسر ماكرون ذلك بجنوح المسلمين إلى تفريغ العنف الذي بداخلهم ضد الآخرين في شكل ما يعتبرونه جهادا مقدسا. خروج السيد ماكرون في هذا التوقيت بالذات لوصفه الإسلام يمر بأزمة، ليس تصرفا عفويا أو مجردا من اعتبارات وحسابات مسبوقة. لكن قبل الرد على تصريح ماكرون وشرح أبعاده وتداعياته، أليس من المنطقي الاعتراف بالحالة المزرية التي يعيشها المسلمون اليوم؟
بعد نشر مقالي السابق تحت عنوان “لماذا توقع السعودية اتفاق السلام مع إسرائيل” تلقيت مجموعة من الردود من القراء، وكان صديق لي ألح بعد قراءة المقال على طرح السؤال “من نحن وإلى أي تكتل بجب ان ننتمي، بعد انهيار القومية العربية واندحار مفهوم الأمة الإسلامية؟”.جاء تصريح الرئيس الفرنسي في الوقت المناسب لتقليب صفحات العالم الإسلامي، وللأسف الشديد يتم ذلك في غياب أي جهة إسلامية أو عربية رسمية قادرة على الرد بحزم على تهجم ماكرون على الإسلام والمسلمين. كان رد الأزهر والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين باهتا ومشحونا بالديماغوجية، ولا يسمن ولا يغني من جوع، لأن شهادة ماكرون مخزية وموضوعية في آن واحد. وجاءت بتزامن مع طبول الحرب التي تقرع في القوقاز وشرق المتوسط، ومع انبطاحات عربية امام إسرائيل، متمثلة في اتفاقات سلام في الخليج والشرق الأوسط، وكذلك بموازاة مع عقوبات امريكية وأوروبية طالت إيران وتركيا وقد تصل في القريب العاجل إلى اذربيجان. المهم هو أن عملية تقطيع الزبدة بالمنشار جارية من أقصى شرق العالم الإسلامي إلى أقصى غربه، وفي ظروف بلغ فيها الضعف والهوان والاستسلام محطة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر. إذا نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم، وتحملنا النقذ الذاتي بكل موضوعية، فلن يكون للرد على تصريح الرئيس الفرنسي أي أولوية، لأنه يحمل شئنا أم ابينا معطيات حقيقية، ويصدق عليه القول إنه حق أريد به باطل.
لنتناول جانب الحق في قول ماكرون إن الإسلام يمر بأزمة، وهو قول يمكن مطابقته من حيث المضمون مع حديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء”. عندما استفسر الصحابة رسول الله عن مغزى الحديث كشف صلى الله عليه وسلم إليهم الحجاب عن تفرق المسلمين إلى مذاهب وشيع وضياع الإسلام بين كل فرقة تدعي أنها الأصح والأسلم والأصدق. لم يتعرض الإسلام للإساءة أكثر مما نالها من المسلمين انفسهم تفرقوا شيعا ومللا ونحلا، وكل جهة تدعي صدق مشروعها، ولم يتوقف الاختلاف في الرأي عند الحدود الفلسفية والفكرية بل صارت له مذاهب شيعة وسنة وكل طائفة مقسمة لعدة طوائف، وزاد الأمر على ذلك فظاعة عندما غمست تلك المذاهب مخالبها في السياسة والحكم.
نظريا نقول إن الإسلام دين واحد وموحد، لكن واقعيا نحن أمام ديانة مقسمة إلى مذاهب، وكل مذهب يتوفر على نصيب كبير من الأباطيل والخرافات والترهات إلى درجة لم يترك مجالا لغير المسلم من فهم الإسلام كما أنزله الله وجعله رسالة عالمية تتسم بالوسطية والاعتدال ومحبة في العالمين. أكثر من أساء إلى الإسلام هم علماء مسلمون ادعوا المعرفة أكثر من غيرهم وأشبعوا غرورهم وغرور الحكام، وخلطوا بين ما في أنفسهم من أهواء وما في عقولهم من نقص وشرحوا وأولوا واستنبطوا ثم انغمسوا في الاختلافات والخلافات فلم يعد المسلم يعرف إن كان على حق في إيران الشيعية أم في السعودية الوهابية.
إن من أجازوا خلق المذاهب الدينية في الإسلام وأقروا بالاختلاف فيها واعتبروا ذلك رحمة يشبهون من وقعوا على اتفاقية هدنة مؤقتة، تاريكين موعد الاقتتال للأجيال اللاحقة.
هذا ما حصل بالذات منذ وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم واستمر بقوة بعد ذلك في أتون بناء الدولة الدينية، وظهرت مساوئ الاختلاف المذهبي في الحروب التي شنتها الممالك على بعضها البعض وما تزال تشنها باسم تصحيح الدين وتطبيقه.
أقبح صورة لهذا المشهد لخصها في وقتنا الحاضر تنظيم داعش، الذي يجسد الإسلام في نسخته الوهابية السلفية المتطورة. التي ولدت وتربت في السعودية. مشهد آخر لا يقل وحشية عن إسلام داعش، وهو إسلام الحشد الشعبي في العراق القادم من اتون نظام الملالي في إيران. أضف إليه تجربة اخوان المسلمين في الحكم في عدد من الدول بعد الربيع العربي، حيث طلقوا المذهب وتزوجوا بالسلطة وعتوا في الأرض فسادا يسرقون ويزنون ولا يتقون. في الواقع، المسلمون ليسوا في أزمة ولكنهم في أم الأزمات، بعد 14 قرنا يفشلون في بناء مجتمع سليم، محصن من الأمراض، ولفشلهم هذا قصة أخرى تختبئ وراء الحجاب في غياب قيادة فكرية إسلامية متنورة ليس همها السلطة والمال، وإنما هدفها الأخلاق. الله عز وجل عندما أراد أن يصف الرسول محمد لم يقل له إنك على حكم عظيم، او على سلطة عظيمة، أو على فكر اقتصادي عظيم، إنما قال له “وإنك لعلى خلق عظبم”.
لم يبذل علماء المسلمون جهدا في إصلاح أخلاق الناس انطلاقا من القرآن والسنة، بالتي هي أحسن، وإنما تفننوا في الترهيب والتخويف والوعيد، وشددوا على انفسهم فشدد الله عليهم.
لم يركزوا على الجانب الإنساني في الإسلام والمغزى من عالمية الدعوة، ولم يكتفو بغلق حلقة الإسلام من حولهم، تحت شعار “نحن إلى الجنة والباقي إلى النار”، بل قسموا الإسلام إلى مذاهب وكل مذهب غلق على نفسه وكفر غيره. المسلمون في أم الازمات اخلاقيا واجتماعيا وثقافيا وعلميا واقتصاديا، ويبدو من الصعب إيجاد بقعة للضوء في المحيط المظلم الذي يسبحون فيه. يهدمون بيوتهم بمعاولهم ومعاول الغير عليهم. نحن فعلا في أزمة ونحن في أمس الحاجة لمن يشعل شمعة حتى ننظر على الأقل في وجه بعضنا البعض
.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة