العرب وإسرائيل والمستقبل


بقلم: عبد الهادي مزراري
أثار انتباهي تصريح للصحافي الأمريكي توماس فريدمان، وهو يعلق على التطبيع الشامل بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. وقال “إن الجهات التي تعارض التطبيع تريد دفن المستقبل، والجهات التي تؤيده تريد دفن الماضي”.
حكمة بالغة أن ينظر الإنسان إلى المستقبل ويهتم به بدل البقاء سجينا في الماضي. ولكن عن أي مستقبل نتحدث؟ هل المستقبل الذي خططت له إسرائيل وعملت على تحقيقة بمساعدة دول كثيرة؟ أم عن المستقبل الذي ناضل من أجله الفلسطينيون وضحوا في سبيله بملايين الضحايا والمعطوبين والمهجرين؟
ربما يقصد السيد فريدمان مستقبلا بلا فلسطين، وهذا لا شك فيه لأن كل من سيدخل من باب السلام مع إسرائيل اعتبارا من الآن عليه أن يسلم بثلاثة أمور وهي: 1 القدس عاصمة أبدية لإسرائيل. 2 لا لعودة اللاجئين 3 لا اعتراف بحدود 1967.
المستقبل طبقا لهذه المسلمات الإسرائلية، يسقط المبادرة العربية للسلام التي تأسست على خيار “الأرض مقابل السلام”، ويسقط أيضا خيار الدولتين، حيث يشتم من المخطط الإسرائيلي ضم مزيد من الأراضي في الضفة وغور الأردن وهضبة الجولان وبناء آلاف المستوطنات الأخرى، ما يجعلنا فعلا أمام مشروع “فلسطين الجديدة” نيو باليستين، التي وردت في صفقة القرن، وهي عبارة عن مقاطعة بدون سيادة وبنظام مقيد.
السؤال المطروح هو هل توافق القيادات العربية على التطبيع مع إسرائيل مقابل التنازل عن فلسطين وعن القدس؟
يبدو أن هذا ما سيحصل، وهو امر بات واقعا، وأن المستقبل المنشود من نافذة إسرائيل هو دفن الصراع العربي الإسرائيلي بكل مظاهره وتجلياته، وأن قيادات عربية تقبل به ليس من أجل دعم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائليين كما يروج لذلك، وإنما من أجل تجنب الضغط الأمريكي الذي قد يصل إلى قلب أنظمة واستبدالها بأخرى.
أقطار عربية كثيرة هي اليوم على متن طائرة مخطوفة، وحكامها رهائن بيد خاطفيهم، لا يملكون حرية المبادرة. والسبب بطبيعة الحال هو الضعف والتشرذم والافتقار لأي مقومات الدفاع الذاتي.
مشاكل كل دولة عربية على حدة من المحيط إلى الخليج تفرض عليها طلب المسامحة من إسرائيل (اعتذر عن هذا الوصف)، وتجبر أقطارا عربية على الانبطاح أكثر من التطبيع. والسبب هو أن العرب اشتغلوا لأكثر من سبعة عقود (منذ حصولهم على الاستقلال) على الدسائس والمكائد لبعضهم البعض، (التدخل في شؤون الغير، دعم الانفصال، تدبير الانقلابات، إغلاق الحدود، فرض الحصار، شن الحروب)، وتفنننوا في قمع شعوبهم ونهب ثرواث بلدانهم.
هم اليوم في حالة شلل تام، ولا يملكون أي نظرة إلى المستقبل، وبالتالي إذا تلقوا الأمر بدفن الماضي السيء مع إسرائيل من أجل المستقبل، سيفعلون ذلك لأنهم لا يملكون أي خيار آخر.
هذا الوضع سيقسم مرة اخرى الساحة العربية المنقسمة إلى أقلية رافضة للتطبيع، وأخرى مؤيدة له، والبعض سيتأرجح لا إلى هؤلاء ولا إلى أولائك في انتظار ان تحسم قوة خارجية من الفضاء مصيره.
يبقى السؤال الجهوري من كل هذا، هو هل فعلا التطبيع العربي مع إسرائيل في ظل الشروط الإسرائلية سبحقق الأمن والسلام للعرب وللإسرائليين؟
إن السلام مطلب العقلاء لكن لا يصنعه الجهلاء، إن من يتجاهل حقوق الفلسطينيين ويتجاهل القدس يصنع سلاما مؤقتا، والأجدر بإسرائيل أن تستفيد من وضعية السلام على أساس اقتسام الأرض واقتسام المقدسات ومنها إلى إقبار الصراع العربي الإسرائيلي، سوف تستفيد من ثروات العرب الضائعة وستعرف كيف توظفها. أما دخولها إلى السلام من باب إنكار الحقوق الفلسطينية في الأرض والمقدسات سوف يمنحها سلاما مؤقتا، لن يلبث حتى ينقلب عليها، يسمونها أرض الميعاد وآخرون يسمونها أرض الجهاد.
طابت أوقاتكم

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة