الزلزال السياسي .. رؤوسا حان قطافها.

كان منتظرا أن يسفر التحقيق الخاص بتعثر أشغال مشروع منارة المتوسط بالحسيمة عن إعلان أسماء الشخصيات المتورطة في عملية إفشال المشروع وتعريضه للتلف الأمر الذي كان سببا في اندلاع حراك الريف وخروج السكان للتظاهر في مسيرات خرجت عن حدود السيطرة.

اليوم وبعد تحديد المسؤوليات طبقا لما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات يكون المسئولون من وزراء وكتاب عامون ومدراء وولاة وعمال مرتبطون بأسوأ أزمة عرفها المغرب خلال حكم الملك محمد السادس، لأنهم عرضوا مشروعا ملكيا للفشل، وتسببت تصرفاتهم اللامسؤولة في إثارة القلاقل وتعريض أمن واستقرار البلاد للخطر.

كما أن القرار الملكي بإعفاء المسؤولين الحاليين وإعلان الغضب الملكي على السابقين منهم الذين أثبت التقرير تقصيرهم في القيام بمهامهم، يأتي في سياق تفعيل دستور 2011 الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة. كما أن الإجراءات المتخذة بحقهم تظهر القرار الملكي بالقطع مع زمن التسامح والتساهل الذي قال عنه رئيس الحكومة السباق عبد الإله بنكيران “عفا الله عما سلف”.

من جهة أخرى، يعتبر القرار الملكي بإقالة مسؤولين حاليين وتسليط الغضب على آخرين سابقين مبادرة تجاوزت النطاق الإداري، وامتدت آثارها إلى المشهد السياسي، خاصة أن الأمر يتعلق بوزراء تا بعين لحزبين رئيسيي في الائتلاف الحكومي وهما حزبي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، وهو ما يعتبر رسالة قوية إلى الأحزاب السياسية التي ما فتئ الملك يحفزها على تجاوز حساباتها الضيقة ومفارقة وضعياتها السلبية من أجل الانكباب على تحقيق مصالح المواطنين ومصلحة الوطن.

وفي هذا السياق كان الملك محمد السادس انتقل من انتقاد الأداء الإداري في خطاب العرش إلى انتقاد الأداء السياسي في خطاب ثورة الملك والشعب ودعا صراحة إلى ضرورة استقالة بعض السياسيين من المشهد السياسي، ليرفع إيقاع السرعة في خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان عندما تحدث عما أسماه بالزلزال السياسي.

لم يلتقط زعماء الأحزاب السياسية الإشارة طيلة الشهور الماضية، ولم تصدر عنها أي مبادرة في مستوى الصدمات الحاصلة وبالتالي لم يحصل أي تجاوب مع الخطابات الملكية، التي فضل زعماء الأحزاب السياسية التعامل معها بمكر السياسيين، ففي الوقت الذي كان الملك يقرع أجراس التحذير كانوا يردون بلغتهم الخشبية “إننا نثمن مضامين الخطاب الملكي” دون أي إحساس بأن كثير من الأمور تتعلق بهم وبدورهم في السياسة والإدارة.

أخيرا، تأتي الإعفاءات والتوبيخيات بالتزامن مع انطلاق محاكمة المسؤولين عن إثارة الشغب في الريف، وهي رسالة أخرى يجب أن يفهم منها أن المغرب الجديد لا يجب أن يعاقب في أحد على حساب أحد وأن القانون يجب أن يكون فوق الجميع.

إعلاء كلمة القانون ليس أمرا هينا، ولا مهمة يمكن تحقيقها بسهولة مع وجود من يعرقل تطبيق القانون من أسفل السلم إلى أعلاه، لكن الخطوة الأولى قد بدأت للتو ويجب أن تستمر، ويجب على الجميع أن ينخرط فيها، إذا كنا نأمل في بناء مغرب قوي. عبد الهادي مزراري

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة