إسرائيل تخسر الحرب.. غزة فضحت نفاق الغرب وحتى لو طأطأ العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم إلى الأبد فالإحتلال لن ينجح

القدس العربي نقلا عن مجلة “ذي نايشن” الأمريكية

تحت عنوان “إسرائيل تخسر الحرب”، نشرت مجلة “ذي نايشن” الأمريكية مقالا طويلا ولافتا وهي الخلاصة التي توصل إليها الكاتبان، أحدهما إسرائيلي، وهو دانييل ليفي، الذي كان عضواً في الوفد الإسرائيلي المفاوض الذي توصل إلى اتفاق طابا مع الفلسطينيين عندما كان إيهود باراك رئيساً للوزراء في إسرائيل، كما أن ليفي كان عضواً في مفاوضات أوسلو الثانية عندما كان إسحق رابين رئيساً للوزراء في دولة الإحتلال.

أما الكاتب الآخر، فهو طوني كارون، صحافي أمريكي يقيم في نيويورك، وكان كبيرا للمحريين في مجلة “تايم” الأمريكية، ويعمل حاليا في منصة “الجزيرة بلاس”، وتعود أصوله إلى جنوب أفريقيا، واشتهر بكونه أحد الناشطين ضد نظام الفصل العنصري “الأبارتايد” في بلده.

أكد الكاتبان في بداية المقال على أنه قد يبدو من الحماقة القول إن مجموعة من المسلحين غير النظاميين لا يتجاوز تعدادهم بضعة آلاف، محاصرين ولا يملكون سبيلاً للحصول على الأسلحة المتقدمة، غدت قوة مكافئة لواحد من أقوى الجيوش في العالم، يحظى بدعم وتسليح من قبل الولايات المتحدة.

عدد متزايد من المحللين الاستراتيجيين في مؤسسات الدولة، يحذرون من أن إسرائيل قد تخسر هذه الحرب التي تشنها على الفلسطينيين

ومع ذلك، قال الكاتبان إن عددا متزايدا من المحللين الاستراتيجيين في مؤسسات الدولة، يحذرون من أن إسرائيل قد تخسر هذه الحرب التي تشنها على الفلسطينيين، رغم العنف الكارثي الذي تمارسه منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. واعتبرا أنه “من خلال استفزاز إسرائيل حتى تشن هجومها، ربما تكون حماس قد حققت كثيراً من غاياتها السياسية”.

وبحسبهما، يبدو أن إسرائيل وحماس كلاهما يعيدان تحديد شروطهما للمنافسة السياسية، ليس إلى الوضع الذي كان قائماً ما قبل السابع من أكتوبر، وإنما إلى ذلك الذي كان قائماً ما قبل عام 1948. وأنه ليس واضحاً ما الذي سيأتي من بعد، ولكن لن تكون هناك عودة إلى ما كانت عليه الأمور من قبل.

وبرأيهما، فقد “حيّد الهجوم المباغت (لحماس) المرافق العسكرية الإسرائيلية، وفتح بوابات أضخم سجن مفتوح في العالم على مصاريعها، ومهّد السبيل أمام حالة من الهيجان المريع، والتي أفضت إلى مقتل ما يقرب من 1200 إسرائيلي”. ولقد ذكرت الصدمة الناجمة عن اختراق حماس للخطوط الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، الكثيرين بهجوم تيت (هجوم شنه الثوار الفيتناميون اكتسح فيه المهاجمون حوالي 100 موقع ومركز قيادة للقوات الأمريكية وكبدوها خسائر كبيرة). وأضافا أن “المقارنة ليست حرفية، فهناك اختلافات شاسعة بين حرب أمريكية استكشافية في أرض نائية، وحرب إسرائيل للدفاع عن احتلال في الديار، يشنها جيش مواطنين يدفعهم إحساس بالخطر الوجودي. ولكن بدلاً من ذلك، تكمن الفائدة من القياس في المنطق السياسي الذي يرسم معالم الهجوم المتمرد”.

وأشار الكاتبان إلى أنه في عام 1968، خسر الثوار الفيتناميون المعركة وضحّوا بالكثير من البنى التحتية السياسية والعسكرية التي كانوا قد شيدوها على مدى سنين من العمل الدؤوب. ومع ذلك، فقد كان هجوم “تيت” لحظة فارقة في إلحاقهم الهزيمة بالولايات المتحدة، وإن كان ذلك قد تحقق مقابل دفع ثمن باهظ من حياة الفيتناميين.

ومن خلال القيام بشكل متزامن في يوم واحد بشن هجمات دراماتيكية، شديدة الإثارة، على أكثر من 100 هدف في مختلف أنحاء البلاد، بدد الثوار الفيتناميون رغم أسلحتهم الخفيفة، سراب النجاح الذي كان يمنّى به الجمهور الأمريكي من قبل إدارة الرئيس جونسون. كان ذلك الهجوم مؤشراً فهم منه الأمريكيون أن الحرب التي طُلب منهم التضحية بعشرات الآلاف من أبنائهم لخوضها، غير قابلة للكسب.

وأضاف الكاتبان أن قياس القيادات الفيتنامية لأثر أفعالهم العسكرية تأسس من خلال ما يتمخض عنها من آثار سياسية بدلاً من القياسات العسكرية التقليدية، مثل عدد الرجال وكميات المواد التي يتم فقدها، أو الأراضي التي يتم الاستحواذ عليها. ومن هنا، أتت حسرة هنري كيسنجر في عام 1969 حين قال: “لقد خضنا حرباً عسكرية بينما خاض خصومنا حرباً سياسية. سعينا من أجل الاستنزاف المادي، بينما كان هدف خصومنا الإرهاق النفسي. وفي تلك الأثناء، غفلنا عن مسلمّة أساسية من مسلمّات حرب العصابات، والتي تقول إن الفدائيين يكسبون إذا لم يخسروا، بينما الجيوش التقليدية تخسر إذا لم تكسب”.

لا ترى حماس إنجاز النصر في عام أو في خمسة أعوام، وإنما من خلال الاشتباك لعقود من النضال، وهو ما سيزيد من التضامن مع فلسطين، بينما يزيد من عزلة إسرائيل

هذا المنطق هو الذي دفع شخصاً مثل جون ألترمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، والذي لا يعرف عنه أنه من الحمائم، إلى القول إنه يرى أن إسرائيل قد تجازف بخسارة الحرب مع حماس: “مفهوم حماس للانتصار العسكري، يتعلق بالدفع باتجاه تحقيق نتائج سياسية بعيدة المدى. لا ترى حماس إنجاز النصر في عام أو في خمسة أعوام، وإنما من خلال الاشتباك لعقود من النضال، وذلك النضال هو ما سيزيد من التضامن مع فلسطين، بينما يزيد من عزلة إسرائيل. في هذا السيناريو، تحشد حماس السكان المحاصرين في غزة من حولها مستثمرة ما يشعرون به من غضب، وفي نفس الوقت، تساعد على انهيار حكومة السلطة الفلسطينية من خلال ضمان رؤية الفلسطينيين لها باعتبارها مجرد تابع ذليل خانع للسلطة العسكرية الإسرائيلية. في هذه الأثناء، تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع، ويتحالف جنوب الكوكب بقوة مع القضية الفلسطينية، وتنفر أوروبا بسبب تجاوزات الجيش الإسرائيلي، وينطلق جدل أمريكي حول إسرائيل، محطماً بذلك الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الحزبين في الولايات المتحدة منذ مطلع السبعينات”.

وكتب ألترمان أن حماس تسعى “لاستخدام قوة إسرائيل الهائلة من أجل إلحاق الهزيمة بالدولة العبرية. فقوة إسرائيل تتيح لها قتل المدنيين الفلسطينيين، وتدمير البنى التحتية الفلسطينية، وتحدي النداءات العالمية من أجل ضبط النفس. كل هذه الأمور تخدم غايات حماس من الحرب”.

ويلفت المقال إلى أن مثل هذه التحذيرات تجاهلتها إدارة بايدن كما تجاهلها الزعماء الغربيون، والذين يعود تبنيهم غير المشروط لحرب إسرائيل، إلى التوهم بأنها مجرد بلد غربي آخر كان يسعى سلمياً لإدارة شؤونه، قبل أن يتعرض من غير استفزاز منه، لهجوم السابع من أكتوبر، وذلك تخيل مريح لمن يفضلون تجنب الاعتراف بالواقع الذي طالما كانوا ضالعين في صناعته.

ويضيف الكاتب: “دعك من الإخفاق الاستخباراتي، لقد كان إخفاق إسرائيل في توقع هجوم السابع من أكتوبر إخفاقاً سياسياً في فهم عواقب نظام عنيف من القهر، صنفته منظمات حقوق الإنسان الرائدة في العالم باعتباره نظام فصل عنصري (أبارتايد)”.

ويذكر أنه قبل عشرين عاماً، حذر رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ من حتمية رد الفعل العنيف. وكتب حينها في صحيفة “ذي إنترناشيونال هيرالد تريبيون” يقول: “تبين أن النضال المستمر منذ ألفي عام للحفاظ على الوجود اليهودي وصل في نهاية المطاف إلى دولة من المستوطنات، تديرها طغمة لاأخلاقية من الفاسدين الخارجين عن القانون، والذين يصمّون آذانهم عن سماع ما يقوله مواطنوهم وما يقوله أعداؤهم. إن الدولة التي تنقصها العدالة لا يمكن لها أن تدوم”.

حتى لو طأطأ العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم وغضبهم إلى الأبد، فإن إسرائيل لن تفلح. إن الكيان الذي يقوم على القسوة البشرية لا مفر من أن يتقوض وينهار على ذاته

“حتى لو طأطأ العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم وغضبهم إلى الأبد، فإن إسرائيل لن تفلح. إن الكيان الذي يقوم على القسوة البشرية لا مفر من أن يتقوض وينهار على ذاته… وإسرائيل التي لم تعد تأبه بأطفال الفلسطينيين، لا ينبغي لها أن تتفاجأ بهم وقد جاءوها وقد تعمّدوا بالكراهية ليفجروا أنفسهم في المراكز التي يلوذ بها الإسرائيليون هرباً من الواقع”.

وحذر بورغ من أن “بإمكان إسرائيل أن تقتل ألف رجل فلسطيني في اليوم، ولكنها لن تحل شيئاً، وذلك لأن أعمال إسرائيل العنيفة سوف تكون مصدراً لتجديد مخزون صفوفهم”.

إلا أن تحذيرات بورغ تم تجاهلها، وذلك على الرغم من أنها أثبتت وجاهتها مرات عديدة. نفس ذلك المنطق يمكن رؤيته يتجلى حالياً فيما يمارس من تدمير داخل قطاع غزة. إن العنف البنيوي الساحق الذي تتوقع إسرائيل من الفلسطينيين أن يعانوه بصمت، يعني أن أمن إسرائيل كان دوماً سراباً.

ويلفت الكاتبان إلى أن الأسابيع التي مرت منذ السابع من أكتوبر، أكدت أنه لا يمكن بحال العودة إلى الوضع الذي كان قائماً من قبل. ولربما كان هذا هو هدف حماس من شن هجماتها الفتاكة. من الجدير بالذكر أنه حتى قبل هذا، كان العديد من القيادات الإسرائيلية يطالبون علانية باستكمال النكبة من خلال التطهير العرقي ضد الفلسطينيين. والآن، غدت مثل تلك الأصوات أعلى وأضخم.

أثناء التهدئة الإنسانية التي تم الاتفاق عليها من قبل الطرفين في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أطلقت حماس سراح بعض المحتجزين الإسرائيليين مقابل فلسطينيين كانوا معتقلين في السجون الإسرائيلية، ومقابل زيادة في إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وعندما استأنفت إسرائيل هجومها العسكري، وعادت حماس لإطلاق الصواريخ، كان واضحاً أن الحركة لم تُهزم عسكرياً. لكن يمكن الاستنتاج من الذبح الجماعي والتدمير الهائل الذي تقوم به إسرائيل في غزة، أن لديها النية في تحويل المنطقة إلى مكان تستحيل فيه الحياة لما يقرب من 2.2 مليون فلسطيني يعيشون هناك الآن، وكذلك الدفع باتجاه طردهم من خلال هندسة نكبة إنسانية بوسائل عسكرية. وبالفعل، حسب تقديرات الجيش الإسرائيلي ذاته، تمكنت إسرائيل حتى الآن من القضاء على أقل من 15% من قوة حماس القتالية، وهذا في حملة قُتل فيها حتى الآن أكثر من 21 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، بما في ذلك ما لا يقل عن 8600 طفل.

التأثيرات العالمية لـ7 أكتوبر

يرى الكاتبان أنه ربما تكون إسرائيل والولايات المتحدة قد أقنعتا نفسيهما بأن العالم قد “تجاوز” المحنة الفلسطينية، ولكن التأثيرات التي أحدثتها الأحداث منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تشير إلى أن العكس هو الصحيح. ترددت أصداء دعوات التضامن مع فلسطين في شوارع العالم العربي، وعملت في بعض البلدان كلغة مشفرة للمعارضة ضد الاستبداد البالي. وفي جميع أنحاء الجنوب العالمي وفي مدن الغرب، تحتل فلسطين الآن مكانا رمزيا باعتبارها تجسيدا للتمرد ضد النفاق الغربي ونظام ما بعد الاستعمار الظالم. وأنه منذ الغزو غير القانوني الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، لم يخرج هذا العدد الكبير من الملايين حول العالم إلى الشوارع للاحتجاج. لقد استعرضت النقابات العمالية المنظمة عضلاتها الأممية لتحدي شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وذكّرت نفسها بقدرتها على تغيير التاريخ، ويتم استخدام الآليات القانونية مثل المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وحتى المحاكم الأمريكية والأوروبية للطعن في السياسات الحكومية التي تمكن إسرائيل من ارتكاب جرائم الحرب.

في جميع أنحاء الجنوب العالمي وفي مدن الغرب، تحتل فلسطين الآن مكانا رمزيا باعتبارها تجسيدا للتمرد ضد النفاق الغربي

وأضاف الكاتبان أنه بسبب الذعر من العالم المذعور من تصرفاتها في غزة، عادت إسرائيل ومناصروها إلى اتهامات معاداة السامية ضد أولئك الذين يتحدون وحشيتها، ولكن كل شيء بدءًا من المسيرات الحاشدة إلى المعارضة اليهودية الصاخبة وحتى استطلاعات الرأي حول تعامل بايدن مع الأزمة، تشير إلى أن مساواة التضامن بمعاداة السامية ليست خاطئة من الناحية الواقعية فحسب؛ بل إنه غير مقنع.

فقد قطعت العديد من الدول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا علاقاتها مع إسرائيل بشكل رمزي، كما أدى القصف المتعمد للسكان المدنيين ومنع الوصول إلى المأوى والغذاء والماء والرعاية الطبية، إلى إصابة العديد من حلفاء إسرائيل بالذعر. إن مدى العنف الذي يرغب الغرب في تأييده ضد الشعب الأسير في غزة، يقدم للجنوب العالمي تذكيرا صارخا بالحسابات غير المستقرة مع الغرب الإمبراطوري. وعندما يناشد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إسرائيل علناً لأن تتوقف عن “قصف الأطفال”، فإن إسرائيل معرضة لخطر خسارة حتى أجزاء من الغرب. لقد أصبح من الصعب على الدول العربية والإسلامية على المدى القصير، الحفاظ على العلاقات العامة، ناهيك عن توسيعها.

واعتبر الكاتبان أن التلاعب برد فعل إسرائيل على أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قد أدى أيضا إلى تفجير فقاعة الأوهام الأمريكية المتمثلة في استعادة الهيمنة على الجنوب العالمي تحت عنوان “نحن الأخيار”. وأن التناقض بين استجابتها للأزمات الروسية- الأوكرانية، والإسرائيلية- الفلسطينية على التوالي، قد أنتج إجماعا على أن هناك نفاقا في قلب السياسة الخارجية الأمريكية، مما أنتج مشاهد غير عادية مثل انتقاد بايدن وجها لوجه في قمة “أبيك”، من قبل رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، لفشله في الوقوف ضد الفظائع الإسرائيلية.

وحذر إبراهيم على وجه التحديد من أن رد بايدن على غزة قد أثار عجزا خطيرا في الثقة مع أولئك الذين تأمل الولايات المتحدة في مغازلتهم كحلفاء في منافستها مع روسيا والصين. وبعد أن أثبتوا للحلفاء العرب أن راعيتهم في واشنطن ستقف إلى جانب إسرائيل، حتى عندما تقصف المدنيين العرب، فمن المرجح أن يعزز اتجاه دول الجنوب العالمي إلى تنويع محافظها الجيوسياسية.

إسرائيل بعد 7 أكتوبر

أكد الكاتبان أن الهجوم الذي قادته حماس، حطم أساطير إسرائيل التي لا تقهر، وتوقعات مواطنيها بالهدوء حتى في الوقت الذي تخنق فيه حياة الفلسطينيين. قبل أسابيع فقط، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتباهى بأن إسرائيل نجحت في “إدارة” الصراع، إلى درجة أن فلسطين لم تعد تظهر على خريطته “للشرق الأوسط الجديد”.

الهجوم الذي قادته حماس، حطم أساطير إسرائيل التي لا تقهر، وتوقعات مواطنيها بالهدوء حتى في الوقت الذي تخنق فيه حياة الفلسطينيين

ومع اتفاقيات أبراهام والتحالفات الأخرى، كان بعض القادة العرب يحتضنون إسرائيل. وكانت الولايات المتحدة تروج للخطة، حيث ركز الرئيسان دونالد ترامب وجو بايدن على “التطبيع” مع الأنظمة العربية التي كانت على استعداد لترك الفلسطينيين عرضة للفصل العنصري الإسرائيلي المتشدد. وكان يوم السابع من أكتوبر بمثابة تذكير وحشي بأن هذا الأمر لا يمكن الدفاع عنه، وأن المقاومة الفلسطينية تشكل شكلاً من أشكال سلطة النقض على الجهود التي يبذلها الآخرون لتحديد مصير الفلسطينيين.

وبرأيهما، فمن السابق لأوانه قياس تأثير 7 أكتوبر على السياسة الداخلية الإسرائيلية. لقد جعل الهجوم الإسرائيليين أكثر تشددا، ولكنهم في الوقت نفسه أصبحوا أقل ثقة في قيادتهم الوطنية بعد الفشل الهائل في الاستخبارات والرد على هجوم حماس. لقد تطلب الأمر تعبئة جماهيرية كبيرة ضد الحكومة من قبل عائلات الإسرائيليين المحتجزين في غزة من أجل وقف العمل العسكري وتأمين صفقة إطلاق سراح الرهائن. إن المعارضة الداخلية الكبيرة بشأن الرهائن وما هو مطلوب من إسرائيل لتأمين عودتهم، يمكن أن تزيد الضغط من أجل المزيد من صفقات الإفراج وحتى وقف كامل لإطلاق النار، على الرغم من التصميم على مواصلة الحرب بين العديد من الأطراف السياسية والعسكرية. ويظل الرأي العام الإسرائيلي مشوشاً، وغاضباً، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته.

ثم هناك تأثير الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعتمد نموذج نموّه على جذب مستويات عالية من الاستثمار الأجنبي المباشر إلى قطاع التكنولوجيا والصناعات التصديرية الأخرى. وقد تم بالفعل الاستشهاد بالاحتجاج الاجتماعي العام الماضي وعدم اليقين بشأن الخلافات الدستورية كسبب لانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 68% على أساس سنوي خلال الصيف. وتضيف حرب إسرائيل، التي تم حشد 360 ألف جندي احتياطي لها، مستوى جديدا من الصدمة.

تحطيم الوضع القائم

شدد الكاتبان على أنه من خلال تحطيم الوضع القائم الذي يجده الفلسطينيون غير محتمل، أعادت “السياسة إلى الأجندة”. وأن إسرائيل تتمتع بقوة عسكرية كبيرة، لكنها ضعيفة سياسيا. وأنه يفترض قسم كبير من المؤسسة الأمريكية التي تدعم الحرب الإسرائيلية أن العنف النابع من مجتمع مضطهد يمكن القضاء عليه من خلال استخدام القوة العسكرية الساحقة ضد هذا المجتمع. لكن حتى وزير الدفاع لويد أوستن، أبدى شكوكه حول هذه الفرضية، محذرا من أن الهجمات الإسرائيلية التي تقتل الآلاف من المدنيين تخاطر بدفعهم “إلى أحضان العدو، واستبدال النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية”.

يفترض قسم كبير من المؤسسة الأمريكية التي تدعم الحرب الإسرائيلية أن العنف النابع من مجتمع مضطهد يمكن القضاء عليه من خلال استخدام القوة العسكرية الساحقة

وبرأي الكاتبين، يحب الساسة ووسائل الإعلام الغربية، أن يتخيلوا أن حماس هي عبارة عن كادر عدمي على غرار “داعش” يحتجز المجتمع الفلسطيني كرهينة. لكن حماس، في الواقع، حركة سياسية متعددة الأوجه متجذرة في نسيج المجتمع الفلسطيني وتطلعاته الوطنية. فهي تجسد اعتقاداً أكدته عقود من الخبرة الفلسطينية، بأن المقاومة المسلحة تشكل عنصراً مركزياً في مشروع التحرير بسبب فشل عملية أوسلو، والعداء المستعصي من جانب إسرائيل. وقد نما نفوذ حماس وشعبيتها مع استمرار إسرائيل وحلفائها في إحباط عملية السلام وغيرها من الاستراتيجيات اللاعنفية لتحقيق التحرير الفلسطيني.

وبحسب الكاتبين، فالحملة الإسرائيلية ضد غزة ستؤدي إلى تقليص القدرة العسكرية لحماس. ولكن، حتى لو كان الأمر يتعلق بقتل كبار قادة المنظمة (كما فعلت من قبل)، فإن رد إسرائيل على أحداث السابع من أكتوبر، يؤكد رسالة حماس ومكانتها بين الفلسطينيين في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها. على سبيل المثال، تعتبر الاحتجاجات الكبيرة في الأردن مع الهتافات المؤيدة لحماس غير مسبوقة. ولا يتطلب الأمر موافقة أو دعما لتصرفات حماس في 7 أكتوبر للاعتراف بالجاذبية الدائمة للحركة التي تبدو قادرة على جعل إسرائيل تدفع نوعا من ثمن العنف الذي تمارسه ضد الفلسطينيين كل يوم، وكل عام، جيلا بعد جيل.

ويخلص الكاتبان للقول إن ما سيأتي بعد أعمال العنف المروعة ليس واضحا على الإطلاق، لكن هجوم حماس في 7 أكتوبر، أدى إلى إعادة ضبط المنافسة السياسية التي يبدو أن إسرائيل غير راغبة في الرد عليها بما يتجاوز القوة العسكرية المدمرة ضد المدنيين الفلسطينيين. وأنه بينما تسير الأمور بعد ثمانية أسابيع من الانتقام بهذا الشكل، لا يمكن القول إن إسرائيل تنتصر.

الصحراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة