بسبب ما يحدث في غزة


بقلم عبد الهادي مزراري
يجري نقاش في الأوساط العربية والإسلامية حول ما يجري في غزة منذ 7 اكتوبر 2023 من قصف إسرائيلي أسفر حتى حدود كتابة هذه السطور عن نحو 10 آلاف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، وأكثر من 20 ألف جريح، وسط دمار شامل للبنيات التحتية والمساكن والمستشفيات، وفي ظل حصار خانق انقطع فيه الماء والكهرباء والغذاء وصارت غزة معزولة بشكل تام عن العالم الخارجي.
البعض ذهب إلى تحميل المسؤولية إلى حركة حماس وأذرعها العسكرية، بحجة أنها هي من تسببت في جلب هذا الدمار لسكان المدينة المحاصرة، عندما تحركت في 7 كتوبر، وهاجمت مستوطنات وقواعد عسكرية إسرائيلية، وقتلت ازيد من 1400 إسرائيلي وأسرت ازيد من 200 رهينة.
يقول أصحاب هذا الموقف إنه ما كان على حماس أن تتحمس لهذه العملية، وهي تضع في الاعتبار ردة الفعل الإسرائيلية الخالية من أي رحمة أو شفقة أو إنسانية، وهي من اختبرت أكثر من غيرها بطش إسرائيل على مدى عقود من الزمن.
لكن البعض الآخر، يذكر بأن عملية طوفان الأقصى إنما جاءت كرد فعل على تلك العقود من الاحتلال والبطش. ويسلم أصحاب هذا الموقف بالأمر الواقع، ويدعمون حماس بتأييد معنوي في المسيرات وفي الساحات العمومية، ويكثرون من الدعاء إلى الله بنصر الفلسطينيين وهزم الإسرائليين.
كل هذا ما يملكه المتعلقون قلوبهم بالفلسطينيين من مسلمين وعرب وناس من مختلف أنحاء العمور. لكن لا أحد يمكته أن يقدم لهم أي مساعدة. وهو ما أشار إليه الناطق العسكري لحركة حماس أبو عبيدة بقوله “لا نطلب من حكام إخواننا العرب والمسلمين ان يحركون جيوشهم أو يوقفون العدوان علينا، وإنما نستغرب كيف لم يحركوا عربات إغاثة”.
يدرك الفلسطينيون في غزة أنهم تركوا لمصيرهم، وأن لا معين لهم إلا الذي خلقهم، ولهذا فهم يواجهون القذائف والصواريخ والقنابل التي يمطرهم بها الجيش الإسرائيلي بعباراتهم المشهورة “الحمد لله”، و”مالنا أحد غيرك يا الله”.
ينتشلون الجثت أطفالا ونساء وشيوخا ويسرعون بها لدفنها، اما المصابون فلم يعد هناك من مستشفيات ينقلونهم إليها.
تشابهت وجوه الموتى مع وجوه المصابين، خاصة في صفوف الصبية والأطفال فهي، مكسوة بغبار الدمار ورماد الحرب، وكم تبدو جميلة وحزينة ومحزنة مع لون الدم الأحمر الذي يطالعها.
تعالت أصوات مستنكرة الفعل الإسرائيلي حتى من داخل الدول الغربية المعروفة بتأييدها المطلق لإسرائيل. وكان أقوى رد على ما يحدث في غزة تصريح الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش، عندما قال “إن ما تفعله إسرائيل في غزة غير مبرر”، لكنه تلقى على الفور ردا صاعقا من المندوب الإسرائيلي في المنظمة الدولية يدعو غوتيريش إلى الاستقالة (أمر عجيب غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة).
بدوره انتقد المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب برويل ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في غزة، ودعا إلى وقف الأعمال الحربية والإسراع بإيصال المساعدات الإنسانية والأدوية إلى الفلسطينيين في غزة. لكن الرد جاءه سريعا من قادة أوروبيين حلفاء لإسرائيل اتهموه بالخروج عن سياق السياسة المتبعة في الاتحاد.
كيف لا؟ وظلت إسرائبل متذ 7 اكتوبر قبلة لزيارات قادة الدول الغربية لتأكيد الدعم والسند زارها الرئيس الأمريكي جو بايدن رغم حالته الصحية الصعبة، وسبقه وزيرا الخارجية والدفاع في إدارته. زارها كذلك رئيس الوزراء البريطاني، والمستشار الالماني، ورئيسة الوزراء الإيطالية، والرئيس الفرنسي، وكلهم أجمعوا على حق إسرائيل في الرد والدفاع عن النفس غير المشروط.
إن الإنزال السياسي والعسكري الذي يقوم به الغرب لدعم إسرائيل، لا يقف عند حدود تكبيل غزة وتمكين الجيش الإسرائيلي من الانقضاض عليها. بل يمتد إلى أبعد من ذلك بجعل كل الدول والجماعات المرشحة لدعم حرحة حماس في حالة جمود، وإلا فإنها في مرمى نيران قوات الدول المتحالفة مع إسرائيل.
لذلك وتحت قاعدة “لا لتوسبع رقعة الحرب”، اكتفى النظام الإيراني بترديد أنشودته الفارغة من أي مبادرة حقيقية للدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، كما ظل يخطب في العالمين منذ عام 1979.
بدوره “حزب الله” الذي تحرك بسرعة الضوء للقتال في سوريا عام 2011 إلى جانب النظام السوري وقتل آلاف السوريين، يختبئ اليوم في عباءة “ضبط النفس”، مكتفيا بتمرينات محدودة في إطار قواعد الاشتباك المعروفة مع القوات الإسرائيلية عند الحدود. وهو ينتظر نهاية الحرب للحصول على المكافأة التي تقابل عدم تدخله في الحرب في غزة.
وفي تركيا التي طالما رفع حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة اردوغان شعار الدفاع عن فلسطين، لم تفعل أي شيء باستثناء سياسة الحشد والتجمهر والخطب، وعكس ما تقوم به تماما قواتها المسلحة بانتظام في شمال العراق وشمال شرق سوريا عندما يتعلق الأمر بضرب قواعد الأكراد.
أما في ما يتعلق بالدول العربية، سواء تلك المعنية مباشرة بالصراع مثل مصر والاردن وسوريا ولبنان والتي لها حدود مع إسرائيل، أو تلك الموجودة خلف خط المواجهة (المستقيم والساكن)، مثل دول الخليج، وبعدها بدرجة ثانية دول شمال إفريقيا، فإن المواقف والقرارات التي اتخذتها منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة فهي لا تبارح الدعوة لوقف الحرب، وإيصال المساعدات، وترديد عبارة “تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
جميع هذه الدول في المنطقة تشعر بالعجز، وما تزال ترزح تحت سياسة تقدير العواقب، فيما الفلسطينيون يتلقون القنابل فوق رؤسهم ومن عاش منهم يعتبر نفسه مشروع استشهاد في اليوم التالي، حتى أبناءهم وبناتهم يلعبون بالقذائف الإسرائيلية التي سقطت ولم تنفجر. إنها حالة تشكل الفارق الكبير في عقلية وشعور الناس في شتى أنحاء المعمور.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة