زيارة الرئيس الجزائري إلى روسيا بين عارضتين
بقلم

بقلم ععبد الهادي مزراري
فجأة تم الإعلان عن زيارة سيقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا، خلال شهر فبراير الجاري، ولم يكشف عن فحوى الزيارة ولا مضمونها، فيما تثير أكثر من تساؤل بخصوص التوقيت الذي تم الاعلان عنها فيه.
جاء الكشف عن هذه الزيارة في اللحظة التي كثف فيها النظام الجزائري اتصالاته مع الدول الاوروبية، وتحديدا فرنسا، التي تعتبر روسيا خصما رئيسيا في معركة بقاء الفرنسيين في القارة الإفريقية، بعد ان جرى طردها من مالي وبركينا فاسو، ورفعت دول إفريفية اخرى الورقة الصفراء في وجه باريس.
يذهب مراقبون إلى أن دعوة بتبون إلى موسكو هي أقرب إلى استدعاء من دعوة، وبالتالي فزيارته ستكون إلى قاعة امتحان يجري تنظيمه لعلاقات روسيا بالجزائر، فيما تشير معظم الإرهاصات إلى رسوب محتوم للنظام الجزائري في هذه العلاقة، وذلك بسبب رهان عبثية اختيارات السياسة الخارجية للجزائر، وافتقارها لمبادئ حقيقية ومواقف تحصن براغماتية الشركاء.
للتعمق أكثر في طبيعة ديبلوماسية النظام الجزائري واختياراته الخارجية، يجب النظر إلى كل التحركات التي يقوم بها، فهي تصنف خانة واحدة، ألا وهي خانة معاداة المغرب ومعاكسة وحدته الترابية.
ليس من اهتمام في السياسة الخارجية للنظام الجزائري، سوى الدفاع عن جبهة البوليساريو، وقد أظهر الرئيس الجزائري، وكذا المسؤولون الجزائريون هذا الأمر بوضوح في مناسبات كثيرة، وصلت حتى إلى ملاعب كرة القدم، وخلطت السياسة بالرياضة.
في موضوع زيارة الرئيس الجزائري الى روسيا، كانت موسكو وجهت الدعوة الى تبون في فبراير العام الماضي، عندما دخلت القوات الروسية في الحرب في أوكرانيا.
كان الغرض بطبيعة الحال، يندرج في إطار الشعار المعروف الذي يفترض أن روسبا حليف تقليدي كبير للنظام الجزائري وأول مورد له من الأسلحة، والغرض هو بحث تنسيق روسي جزائري لتحديد موقف الجزائر إلى جانب روسبا، وتحديدا في مجال تصدير الغاز والنفط إلى أوروبا.
خلاف ما كانت تتنظره روسبا من الشراكة الاستراتيجية مع الجزائر، ذهب النظام الجزائري نحو تعزيز العلاقات مع الكيانات الأوروبية المعادية لروسبا وتزويدها بالغاز في أفق استصدار مواقف مناوئة للوحدة الترابية للمغرب.
حصل ذلك خلال استقبال رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الشهر الماضي، وتوقيع اتفاق لتوريد الغاز، إلى إيطاليا، وحدث أبضا خلال استقبال الرئيس ماكرون والوفد الحكومي الفرنسي، حيث أدرج موقف العداء للمغرب ومعارضة وحدته الترابية.
بالنسبة لروسيا سجلت أن الظام الجزائري اختار إلى جانب من يقف، وتحديدا فرنسا، التي ألزمت هذا النظام بالكثير من الملفات لدعم بقائها في جزء من إفريقيا في مواجهة التوغل الروسي والامريكي والصيني.
بالتالي النظام الجزائري أخل بما كان منتظرا منه بحسب موسكو، وخرق أحد البنود الرئيسية المتفق عليها في منظمة الدول المصدرة للغاز، كما خيب آمال الحليف الروسي وخضع للضغوط والشروط الفرنسية في سبيل إشباع رغبته من معاداة المغرب ومحاولة استغلال مرحلة التوتر التي تمر بها العلاقات بين باريس والرباط.
في ظل هذا الوضع لا يمكن أن تكون زيارة تبون إلى موسكو سوى حصة تأديبية، خاصة في نطاق ما يعرف عن الرئيس الروسي فلادمير بوتين من صراحة تصل إلى درجة التوبيخ والتهديد.
طبعا لن تنفع تبون شطحاته، التي تعود عليها، ولن يتوفر على أجوبة صريحة وقادرة على إقناع موسكو، بسبب اختيار الجزائر فرنسا لتوقيع اتفاقيات لشراء الأسلحة بمليارات الدولارات، في الوقت الذي تتحارب فيه باريس وموسكو على رقع ملغومة في إفريقيا.
إضافة إلى ذلك فإن زيارة رئيس أركان الحرب الجزائري سعيد شنقريحة إلى فرنسا، وهو الرئيس الفعلي للجزائر، تلقاها الروس بعلامة استفهام كبيرة، خاصة بعد أن بلغت الوقاحة بباريس أن وضعت خوذة العسكري الحارس فوق رأس شنقريحة، ملمحة إلى اعتبار لجزائر احد جنودها المخلصين في اي معركة تعني فرنسا أو مصالح فرنسا في المنطقة.
لن يظل الروس مطمئنين للدور الجزائري، حالما لم يتخذ النظام الجزائري موقفا مساندا بالقول وبالفعل بالغاز والنفط إلى جانب موسكو. وهو أمر يصعب على الجزائر فعله في ظل تبعيتها التاريخية والاقتصادية والسياسية لفرنسا.
خلال التعديل الدستوري الأخير تم شطب الفصل الذي يمنع الجيش الجزائري من خوض حروب خارج بلاده، وتم استبداله بفصل جديد للجيش الجزائري من أجل خوض حروب بالوكالة لصالح جهات خارجية.
ثمة امور كثيرة سيكون على تبون الحسم فيها أمام بوتين، ومهما توسع هامش الأجوبة فلن تكون هناك خيارات، “إما معنا او ضدنا”، وهو ما لا يبدو ممكنا بالنسبة للجزائر التي ذهب نظامها في خيارات خارج مصلحة المنطقة التي من ضمنها مصلحة الجزائر.