خريف النظام الجزائري رياح تهب في الإتجاه المعاكس

بقلم عبد الهادي مزراري

يواجه النظام الجزائري مشاكل خطيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويظهر جليا للمتتبعين أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة في ظل خلافات قوية داخل الجهاز الحاكم، الذي هو الجهاز العسكري.
بداية يجب الاعتراف بأن نظام الحكم في الجزائر هو نمط عسكري، لكن ليس مبنيا على عقيدة سياسية أو أيديولوجية، وإنما هو نظام ناتج عن تجمع مجموعة من الضباط، الذين خاضوا معارك الترقية في الكواليس وتمكنوا من التموقع في الصفوف الأمامية لقيادة الجيش، وفرضوا سيطرتهم على مؤسسات الدولة التي تحولت إلى ثكنة عسكرية بواجهة سياسية مزيفة تمثلها المؤسسة الرئاسية الخاضعة والخانعة للجيش.
ظل هذا النمط من الحكم في الجزائر غامضا وبعيدا عن الأنظار لعقود طويلة، ولم تتضح حقيقته للرأي العام إلا مع السقطة الخطيرة التي وقع فيها بدفع المؤسسة الرئاسية إلى ترشيح الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة إلى عهدة خامسة في ربيع 2019، الأمر الذي أثار سخرية الشعب فخرج في مظاهرات صاخبة يطالب بإنهاء اللعبة المستمرة بين المؤسستين العسكرية والسياسية.
هتف الجزائريون بأعلى صوتهم “مدنية ماشي عسكرية”، فأدركت الطبقة العسكرية الحاكمة أنها تواجه مأزقا خطيرا، فبدأت ترسم معالم المستقبل المخيف بتذكير الجزائريين وترهيبهم بالعشرية السوداء، لكن أصوات الحراك الجزائري تجاوزت الحدود واستمرت لأسابيع وشهور، ولم يجد النظام من مخرج سوى إيقاف الحاسوب الخاص بالمؤسسة الرئاسية وإلغاء برنامج “العهدة الخامسة لبوتفليقة المقعد والمغيب”، وإعادة تشغيل الحاسوب الرئاسي من جديد، بدفع الشعب الجزائري لانتخاب رئيس جديد اختاره الجيش مسبقا.
تولى رئيس الأركان السابق أحمد كايد صالح هذه العملية، من داخل المؤسسة العسكرية، برفع شعار التطهير والمحاسبة، وهي مجرد عملية شكلية لتقديم أكباش الفدية من بعض رموز النظام، بعضهم من العسكريين المتقاعدين أمثال خالد نزار والتوفيق، والبعض الآخر من السياسيين مثل سعيد بوتفليقة (شقيق الرئيس المقعد والمبعد) وعبد الملك سلال، وجمال ولد عباس، والوزير السابق عمر غول، فضلا عن عدد من كبار رجال الأعمال الموالين للنظام.
حسب العارفين بخبايا النظام الجزائري، كلفت هذه العملية الكايد صالح حياته، فبمجرد أن تمكن الرجل من إخماد الحراك الشعبي نسبيا، ونجح في اختيار عبد المجيد تبون لتمثيل مسرحية الحكم المدني، أعلن الجيش وفاته وأقيمت له جنازة بمقام الأبطال.
ظهرت بصمات جريمة القتل، في التحول الخطير، الذي أحدثه رئيس أركان الحرب الجديد سعيد شنقريحة، الذي خلف أحمد كايد صالح، وانقلب بزاوية 180 درجة عن القرارات، التي اتخذها سلفه، فأطلق سراح رموز النظام السباق، وأصدر عفوا عن أصدقاه من القياديين العسكريين، وأرسل طائرة رئاسية لإعادة الجنرال المتقاعد خالد نزار إلى قصره في حي الصنوبر في العاصمة الجزائر.
تعتبر عودة هذا العسكري الدموي (خالد نزار) إعلانا بعودة السيطرة على قيادة الجيش من طرف مجموعته، والتي يعتبر سعيد شنقريحة أحد وجوهها البارزين. ليبدأ فصلا جديدا من تصفية الحسابات داخل قيادة الجيش بمختلف أجهزتها، فيتم إطلاق سراح البعض مقابل سجن البعض الآخر، وهو ما يعرف في وسائل الإعلام بـ”حرب الجنرالات القدرة”.
في غضون ذلك، تمت محاصرة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي اختاره كايد صالح، في مربع ضيق، وجرى تفصيل بدلة جديدة له على مقاسات سعيد شنقريحة، قضى شهورا من المرض والغياب اللذان لا يعرف لهما سبب حقيقي، وتحملت كورونا التهمة، ليعود بنبرة التشاؤم، مستبدلا كل خطابات الوعيد ضد المفسدين بخطاب واحد وهو أن “الجزائر تتعرض للمؤامرة”، والعدو التقليدي هو المملكة المغربية.
لم يتوفق أحد في تحليل وضعية الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال “إن الرئيس تبون عالق داخل نظام صعب للغاية”، وأضاف أنه يرى أن النظام الجزائري متعب وقد أضعفه الحراك.
انكشف القناع عن النظام العسكري الجزائري، وأصبح ظاهرا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، ويتحمل الآن مسؤوليات لا يمكن السكوت عنها، تبدأ من تبديد الأموال في شراء أسلحة فاسدة، ودعم الجماعات الإرهابية، إلى ارتكاب جرائم ضد الشعب الجزائري خلال العشرية السوداء، وإلى السيطرة على المؤسسة الرئاسية ومصادرة الحقوق السياسية والمدنية للجزائريين، فضلا عن إغراق أقدام الجزائر في قضية دعم البوليساريو لأكثر من أربعة عقود بدون أي نتيجة تذكر.
إن الضغط الذي يشعر به نظام الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر، يدفعه إلى ارتكاب أعمال غير محسوبة العواقب، تصل إلى إدخال البلاد في حرب خارجية من أجل إخفاء الكوارث التي تسبب بها على مدى أكثر من 5 عقود. ولهذا يتخذ كل القرارات التي تصب في هذا الاتجاه، خاصة ضد المغرب جاره الغربي، اعتقادا منه أن ورقة الحرب سوف تكون مخرجا له للانعطاف نحو وضع أكثر أمانا، وسيتمكن من خلالها بحشد التأييد الشعبي، وإلهاء الجزائريين عن مواصلة مطالبهم بتوفير المواد الغذائية الأساسية مثل الزيت والدقيق والسكر.
إن حسابات هذا النظام خاطئة، ولا تزيد وضع الجزائر إلا تعقيدا، خاصة في ظل تصاعد الدعوات بإجراء تحقيقات دولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، ومطالبة القبايل بالاستقلال، وعودة فرنسا إلى نشر وثائق تتعلق بأصول الطبقة الحاكمة في الجزائر، فضلا عن فضح الجرائم التي ارتكبها الجيش ضد المدنيين خلال العشرية الدموية، التي ظهرت موثقة في كتاب “ربيع الإرهاب في الجزائر”، وهو ليس الكتاب الوحيد الذي يتضمن أدلة تثبت تورط الجيش في العشرية الدموية. فقد صدر قبله كتاب “جزائر الجنرالات”، وكتاب “باريس والجزائر – قصة حميمية”. وكلها كتب تكشف الأعمال الإجرامية للنظام الجزائري، وعمليات النهب والسلب لثروات البلاد وأموالها وإيداعها في البنوك الأجنبية.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة