ماكرون يسيء للإسلام ولا يجد من يردعه


بقلم عبد الهادي مزراري
شخصيا أرفض إقحام الدين في السياسة، فليس من الإيمان استعمال خطاب السماء في قضاء مآرب في الأرض، وليس من العدل حشو المدافع بذخيرة الدين لقصف الآخرين أو تصفية الحسابات السياسية معهم.لنقل إننا نرفض حربا دينية في القرن الواحد والعشرين، ولكن مما أثار الاستغراب الهجمة المقصودة من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ضد الإسلام، وقد تفتح فمه بأقبح الأوصاف لديانة سماوية يؤمن بها اكثر من مليار ونصف من البشر في المعمور.بدأ ماكرون هجومه في شهر شتنبر الماضي عندما ألقى خطابا وقال فيه “إن الإسلام يمر بأزمة”، ووصف المسلمين بأنهم قوم عنيفون ومتطرفون وينشرون الرعب. لم يجد الرئيس ماكرون من يحتج عليه، ولم نر حتى في وسائل الإعلام أي بيان يستنكر تصريح الرئيس الفرنسي من قبل قيادات الدول الإسلامية التي تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى الهيمالايا شرقا. باستثناء التنديد الذي سمعناه من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن القيادة الإيرانية، وهو على كل حال يدخل ضمن القصف المتبادل بين أنقرة وطهران من جهة وباريس من جهة ثانية. لم يكن تصريح الرئيس الفرنسي ضد الإسلام مجتزءا من خطته الرامية للتضييق على المسلمين الفرنسيين في بلاده. بل كان مدروسا في توقيت دقيق مهد فيه إلى ما كان يعتبره الحجة الدامغة على وحشية وهمجية المسلمين.
كان ماكرون يعمل على تقديم الرهينة الفرنسية صوفي بيترونين التي استعادتها إدارته من يد الخاطفين في مالي، كدليل قاطع على صدق وصفه للإسلام بالأزمة، وكان يتوق للعب بعقول الفرنسيين وهم يشاهدون سيدة في عمرها 75 تعمل في المجال الخيري في بلاد نائية مقفرة اسمها مالي جنوب الصحراء في إفريقيا المنسية، تحكي قصتها المرعبة عن وحوش أدمية اختطفوها وعذبوها في الوقت التي كانت تقوم بعمل إنساني لفائدة النساء والأطفال في ذلك البلد الفقير.
كانت صدمة قوية للرئيس ماكرون الذي لم يجد من يقول له “لا تحشر الاسلام في حربك السياسية سيادة الرئيس”، لكن صوفي قالتها له، وكان هو يريدها حجة له فكانت هي حجة عليه، وانقلب السحر على الساحر.شاهد العالم كيف توارى ماكرون إلى الوراء في المطار، واضعا يده على خده، والسيدة صوفي تواصل تصريحها “إسمي مربم واعتنقت الإسلام”. هذا المشهد أضرم النار في بيت اللوبي المعادي للإسلام في بلاد الشعارات الثلاث “حرية إيخاء مساواة”، وتوسعت منابر إعلامية فرنسية مدعومة بكتاب ومفكرين يمينيين يطعنون في الإسلام ويصورونه على أنه أصبح يشكل خطرا على فرنسا وعلى حياة الفرنسيين. كان لابد من حدث مهول يسحب مريم صوفي بترونين من بقعة الضوء، ويضع مكانها شخصا آخر يعيد للسيد ماكرون العصا السحرية بمينه. نعلم جميعا أسلوب الاستخبارات في توفير الأدوات اللازمة في شكل أحداث يحتاجها السياسيون ليبنون عليها قراراتهم ويوجهون من خلالها الجماهير الغافلة. لم يكن ماكرون في حاجة للبحث عن الحجة التي يحتاجها للمضي في حربه على المسلمين في بلاده، فواقعة شاري إبدو توفر له المرجع الذي يعيد به إلى الأذهان وحشية المسلمين المتطرفين. بطبيعة الحال يتوقف الأمر على مجرد استفزاز المسلمين من جديد. وليس لفعل لذلك أفضل من سب رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم. لكن هذه المرة ليس من خلال وسائل الإعلام، فربما اعتاد المسلمون على جرائد ومواقع تستهزئ بنبيهم الكريم. ولأجل ان بكون الأثر بالغا والصدمة قوية، يجب ان تنفجر القنبلة من داخل قسم يدرس فيه أطفال مسلمون يتلقون فيه حرية المعتقد وعنوانها سب الرسول محمد والاستخفاف به في رسوم مشينة. هذا الحدث وقع في مدرسة يوجد فيها قسم وفي القسم يوجد أطفال ينتسبون لعائلات مسلمة مسجلة لدى الاستخبارات الأمنية الفرنسبة في خانة العناصر الإرهابية المحتملة.طبعا العملية أشبه بمن يضع عود الكبريت فوق بقعة من البنزبن وأول قدم تسحق الكبريت تشعل النار. وهذا ما حدث بالضبط، ليلقى المدرس صامويل باتي الذي اختار لمادته في حرية المعتقد الاستدلال برسوم مسيئة لنبي ورسول المسلمين، وكانت النتيجة قتله من طرف شخص مسلم أردته الشرطة بدوره قتيلا. الحدث المرعب أخرج الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون من جديد، وفي جعبته هذه المرة قرار باعتبار الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسل وللاديان جزء من حرية التعبير، وهو كلام معناه “لن أوقف الحرب على نبي الاسلام بوقف تلك الرسوم، وعليها ان تستمر”. اغتيال المدرس صامويل باتي اعطى أيضا للسلطات الفرنسية ذريعة اتضييق الخناق على المسلمين فأغلقت العشرات من المساجد بذريعة مكافحة انتشار كورونا، كما اتسع نطاق الحرب الاعلامية ضد الإسلام بوصفه مرعبا ومخيفا، ووصل الأثر إلى الرأي العام الفرنسي حيث اعترضت سيدتان فرنسيتان مسيحيتان سيدتان فرنسيتان مسلمتان وطعنتاهما بالسلاح الأبيض في الشارع العام. كان أقوى وصف للسياسة التي يتعامل بها الرئيس الفرنسي ماكرون ضد المسلمين هو ما جاء في الصحافة الأمريكية التي حملت الرئيس الفرنسي عواقب إشعال حرب دينية بين أفراد شعبه بمحاولته تكريس الانعزالية الإسلامية في ثقافة الفرنسيين. لم بفطن السيد ماكرون إلى خطورة ما يقوم به وهو مدفوع من قبل لوبيات يعتقد انها توجهه في الطريق الصحيح، فهو على اي حال عديم الخبرة كما وصفه الرئيس التركي طيب رجب اردوغان. لم يفكر ماكرون ماذا سيكون رد فعل الطائفة اليهودية لو أن نبي الله موسى عليه السلام تعرض للإساءة وتلقى اليهود أوصافا قبيحة في مدارس فرنسية، أو حتى لو تعرض أحد اساتذة التاريخ للتشكيك في المحرقة.يعرف الجميع بأن الأمر سيكون مختلفا، ولهذا لم يعد خافيا أن ماكرون هو شخص متحامل ولا يعرف مصلحة الفرنسيين القائمة على احترام مبادئ الثورة الفرنسية. هناك نحو 10 في المائة من الفرنسيين مسلمين، والإسلام هو الديانة الاكثر انتشارا بين الديانات الأخرى، وإن التحامل عليها هو إعلان عن الخروج عن مبادئ الثورة. وهو في حالة موقف ماكرو يعتبر إقحاما مكشوفا للسياسة في الدين. لا يجد المسلمون المستضعفون ما يردون به على ماكرون في وقت خرست فيه ألسنة قياداتهم، إلا قولهم “من غريب الصدف، اسمه ماكرون … يمكرون ويمكر الله والله خير الماكربن”.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة