الفساد العالي المتقدم


بقلم: عبد الهادي مزراري


لست أدري إن كان الرأي العام المغربي فوجئ بفضيحة تزوير الشواهد الجامعية العليا، بطلها أستاذ جامعي وقيادي في حزب سياسي، أم أن الأمر عادي ولا يدعو للمفاجأة ما دمنا نتحدث عن قطاع التعليم العالي، الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى غابة موحشة تعج بالحيوانات المفترسة، منها من يقتات على الشرف، ومنها من يمتص الدماء، ومنها من يبتلع الفريسة بكل ما تحمل من جلد ولحم وعظم.
في الواقع لا يدعو الحادث للاستغراب ولا للدهشة، قد باتت الجامعة المغربية مسرحا لأكبر عمليات النصب تحت عناوين يخجل تدويتها من قبيل “الجنس مقابل النقط”، و”المال مقابل الشواهد”، و”التوظيف مقابل الثروة”.
هكدا تحول أساتذة جامعيون إلى ملاك عقارات وأرباب متاجر وأصحاب ضيعات، وأصبحت لبعضهم يد الفساد الطولى الممتدة إلى قطاعات ملحقة بتخخصاتهم، فكونوا شبكات تنشط في المحاكم وفي الإدارات العمومية، وبعضهم اسس مراكز علق على مدخلها لافتة ” الدراسة والبحث الاستراتيجي” وصار يبتز الدولة ويضلل المجتمع.
منذ أن خضع التعليم العالي للإصلاحات “الدونكيشوطية”، وصارت لهذا القطاع وزارة خاصة به، وأصبح عميد الكلية يحصل على منصبه بواسطة الانتخاب (ولكم أن تتخيلوا ماذا يرافق الانتخابات عندنا في ثقافتنا)، عندها فعل في تعليمنا العالي أبو جهل فعلته، وليت أبو جهل بقي بمفرده في الساحة الجامعية يخرج لنا حاملي شواهد بدون مضامين، بل انضم إليه أبو نهب وأبو جنس وأبو وساطة، وصرنا أمام عصابة من المجرمين يتقدمون المشهد العلمي الأعلى في البلاد ويشكلون القاعدة فيه.
طبعا لهذه القاعدة استثناء، هناك شرفاء يحملون هم الطلبة وهم العلم ويؤدون مسؤوليتهم بكل نزاهة وصدق، وهم بعانون المر في هذا الوسط الموبوء، لكن كما يقال “دودة واحدة في تفاحة تجعلها فاسدة”.
قرأت في ما قرأت للمفكر رجيس دوبري في كتابه “رجل العلم ورجل السياسة”، أن أكثر السياسيين نزاهة هم أولاءك القادمون من منابر العلم، تجبرهم المعرفة على التمسك بالمبادئ وتضبط ساعة أنشطتهم السياسية على توقيت أخلاقي.
في حالتنا المغربية، رجل العلم الاستاذ الجامعي المبجل عضو قيادي بارز في حزب سياسي، لم يعد مكننا أن نعرف هل قدم إلى السياسة من الجامعة أم قدم إلى الجامعة من السياسة، وفي كلتا الحالتين شيد لنا جسرا متينا من الفساد يربط بين قطاعين لا يبدو أحدهما أحسن حالا من الآخر.
إن واقعة الفساد في جامعة ابن زهر في أكادير لا تعدو ان تكون سوى صخرة الجليد الظاهر ة فوق سطح البحر وتخفي جبلا من تحتها، وهي ليست الأولى من نوعها، طالما تفجرت فضائح في هذه الجامعة وتلك.
إن ظاهرة الفساد هاته لا يمكن معالجتعا بأحكام قضائية وإن كانت على أعلى درجات القسوة، بل يتطلب الأمر الضرب بيد من حديد تنزل على أعلى رأس في هذا القطاع، بدءا من وزير التعليم العالي إلى حراس البوابات في الكليات.
يحتاج الامر إلى إعلان حالة طوارئ تشترك فيها كافة أجهزة الدولة من المؤسسات المالية، من ابناك ومديريات الضرائب، ووكالة الاملاك العقارية، واجهزة الاستخبارات للكشف عن حالة كل أساتذة واطر وموظفي قطاع التعليم العالي.
يجب إخضاع القطاع إلى عملية غربلة تامة من أجل تطهير الجامعة وإعادة الاعتبار إليها، إنها تعيش في حالة تسيب شبه مطلق.
هذا، طبعا إذا كنا نريد تعليما عاليا بما تحمله الكلمة من معنى، أما إذا كنا نريد معالجة السرطان بحبات الاسبربن سنتكفي بالتفرج على المتهم البطل عبر جلسات محاكمة قضائية سيكسب من وراءها في الأخير حريته ولو بعد سنين من السجن ليخرج ويستمتع بتلك المليارات التي جمعها من متجر الكلية.
طابت أوقاتكم .. لا طابت أوقاتهم

الصحراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة