كيف ستكون نسخة أموگار الطنطان 18؟
محمد سالم الشافعي

مع اقتراب موعد النسخة الثامنة عشرة من “موسم طانطان”، الذي يعد أحد أهم التظاهرات الثقافية في المغرب، يثار الجدل حول مدى قدرة هذه الفعالية على الحفاظ على جوهرها الثقافي، خاصة في ظل التحولات التي شهدتها النسخ الأخيرة.
لقد اختارت مؤسسة أموگار لهذه الدورة عنوانًا طموحًا: “موسم طانطان: شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل”، وهو شعار يحمل في طياته الكثير من الدلالات حول قيمة التراث الصحراوي، وامتداده إلى فضاءات عالمية عبر الاعتراف به من قبل منظمة اليونسكو منذ عام 2008 كتراث ثقافي غير مادي للإنسانية.
لكن هل سيعكس الموسم هذه السنة فعلًا هذه العالمية؟ وهل سيحافظ على هويته كاحتفال أصيل بثقافة الرحل، أم أنه سينحرف مجددًا ليصبح مجرد تظاهرة سياحية بمحتوى لا يعكس حقيقة الإرث الثقافي الصحراوي؟
هوية الموسم بين الأصالة والتجديد
لطالما كان موسم طانطان أكثر من مجرد مهرجان احتفالي؛ فهو يمثل لقاءً ثقافيًا تتجسد فيه عادات وتقاليد الصحراويين، من الفروسية والشعر الحساني إلى فنون الطبخ والتراث الغنائي، في مشهد يوحي بإحياء جزء من الحياة البدوية التي ظلت متوارثة عبر الأجيال.
ورغم أن التظاهرة اكتسبت إشعاعًا دوليًا، فإن التحدي الحقيقي الذي يواجهه المنظمون كل عام هو كيفية تحقيق التوازن بين التجديد والانفتاح على العالمية، وبين الحفاظ على الهوية الأصلية للموسم دون أن يفقد جوهره كاحتفال ثقافي يعكس حياة الرحل، وليس مجرد منصة للعروض السياحية أو الفنية الحديثة التي قد لا تمت بصلة للروح الصحراوية.
ويرى متابعون للشأن الثقافي في مدينة الطنطان أن النسخ الأخيرة للموسم لم تعد تلامس بعمق الموروث الشعبي الصحراوي، بل اتجهت أكثر نحو تقديم فعاليات قد لا تتماشى مع طبيعة المجتمع البدوي، ما جعل البعض يصفها بأنها “فولكلورية أكثر منها أصيلة”، في إشارة إلى غياب العمق الثقافي في بعض الفعاليات، وافتقارها إلى نقاشات جادة حول دور التراث الصحراوي في تشكيل الهوية الثقافية للمنطقة.
إشكالية البرنامج: أين التراث الصحراوي؟
ورغم أهمية الحدث، فإن البرنامج الذي تم الإعلان عنه لهذه الدورة لا يعكس تمامًا الشعار الذي تم اختياره، حيث لم يتضمن سوى ندوة واحدة تتعلق بالموروث الثقافي، تمحورت حول المرأة في المجتمع الصحراوي، وهي بلا شك موضوع مهم، لكنه لا يكفي ليجسد العنوان العريض الذي يتحدث عن “عالمية ثقافة الرحل”.
وبالمقارنة مع النسخ السابقة، يرى بعض المهتمين بالتراث المحلي أن المحتوى الثقافي التقليدي بدأ يفقد مكانته لصالح فعاليات ترفيهية أو عروض لا تعكس جوهر الموروث، ما يثير تساؤلات حول توجهات التنظيم وما إذا كان هناك انحراف تدريجي عن الأهداف الأصلية للموسم.
ما الذي يمكن فعله لإنقاذ روح الموسم؟
لكي يكون موسم الطنطان 18 فعلًا “شاهدًا حيًا على عالمية ثقافة الرحل”، يحتاج إلى خطوات عملية تضمن أن يكون برنامج الفعاليات متوازنًا بين الترويج السياحي والحفاظ على التراث الثقافي. ويقترح بعض الباحثين والمهتمين بالموروث الصحراوي أن يشمل الموسم:
1. ندوات علمية موسعة حول تاريخ وثقافة الرحل، بدلًا من الاكتفاء بموضوعات محدودة.
2. مسابقات في الفنون التراثية مثل الشعر الحساني والفروسية التقليدية والصناعات اليدوية الصحراوية.
3. إحياء أنشطة الحياة البدوية مثل نصب الخيام الصحراوية وإقامة ورشات تعريفية حول طرق العيش التقليدية.
4. تقديم عروض فنية أصيلة تعكس الموسيقى والأهازيج الصحراوية، بدلًا من إدخال أنماط موسيقية حديثة لا تنسجم مع روح الموسم.
ختامًا: بين الإشعاع العالمي والحفاظ على الأصالة
لا شك أن موسم طانطان يظل حدثًا ثقافيًا مهمًا، لكنه يواجه اليوم تحديات تحقيق العالمية دون التضحية بالهوية.
وإذا أرادت مؤسسة أموگار أن تجعل من هذه النسخة نقطة تحول حقيقية، فعليها إعادة النظر في محتوى الموسم وضمان أن يكون الاحتفال انعكاسًا حقيقيًا لثقافة الرحل، وليس مجرد شعار فضفاض يُستخدم في الترويج الإعلامي دون تطبيق عملي على أرض الواقع.
فالرهان الحقيقي ليس فقط في تنظيم حدث ضخم، بل في ضمان أن يظل موسم طانطان فضاءً حقيقيًا لنقل روح الثقافة الصحراوية إلى العالم، لا أن يتحول إلى مجرد مهرجان ترفيهي يبتعد شيئًا فشيئًا عن أصله.