تغره ولد باباه تمت تصفيته في معتقل الرشيد.. من خيمة الزفاف إلى القبر

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن / كان شابا في نهاية عقده الثالث وبداية العقد الرابع تقريبا، يتمتع بأخلاق عالية، يشع الذكاء من عينيه الزرقاوين، قليل الكلام فمعظم وقت فراغه يقضيه مع كتاب في يده وإذا تكلم تحدث بأدب، عشت معه فترة من الزمن لا أتذكر أني رأيته متشنجا لأي سبب كان، وحين يرى أي ممن هم حوله منفعلا يهدئه بالقول إن الأمر لا يستحق الانفعال، وبعبارة واحدة كان إنسانا مثاليا.
بعد إنهاء مرحلة التدريب العسكري 1979 عمل في مدرسة 12 أكتوبر مدرسا للرياضيات واللغة الفرنسية لبعض الأقسام الخاصة إلى غاية السنة الدراسية 1981-1982، حيث تم إيفاده ضمن بعثة للتكوين في مجال التدريس كنت من ضمنها، وبعد عودتنا في العطلة الصيفية تم اختطافه في شهر شتنبر 1982، ليختفي إلى الأبد حيث تمت تصفيته في معتقل الرشيد، بعد أن صار مقعدا بفعل التعذيب الوحشي الذي تعرض له وأصبح يتحرك على مؤخرته بسبب الشلل النصفي الذي أصيب به، خاصة أنه كان رحمه الله نحيف الجسم.
وهناك رواية عن بشاعة الطريقة التي قتل بها تقول إنه جاء في ذلك اليوم لأخذ حصته من الغدذاء فنهره أحد الجلادين بأن ينقص الكمية التي غرفها من البرميل، الذي يوجد فيه الطعام، معللا أمره بأنهم يريدون تقسيم الطعام بعدالة على السجناء، فرد عليه رحمه الله بأنه لو كانت هناك عدالة ما كان هو في هذا المكان وفي هذا الوضع، وكان رده ذاك مفاجئا وغير متوقع، بل يعتبر تحديا سافرا للجلادين فاستشاطوا غضبا، وحين علم قائدهم بالأمر – وكان يومها  المدعو محمد سالم السنوسي ( سالا زار ) – أمرهم برميه في حفرة الصرف الصحي ليعرف معنى العدالة.
وللإمعان في الإهانة، كانوا قبل اعتقاله قد سلطوا عليه رجلا ادعى أن والدة زوجته التي اقترن بها حديثا عبدة مملوكة له هي وابنتها، وأنه إن أنجب منها فإن أولاده سيصبحون عبيدا له مثل أمهم، وقد حدث بعلم ما يسمى السلطات الدائرية والولائية في مخيم الداخلة، وهو أمر يعكس زيف الدعاية التي كانت تطلقها قيادة البوليساريو بأنها تحارب العبودية واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان         .
ذات يوم قبل عدة سنوات التقيت في نواكشوط بشخص كان ضمن مجموعة من الصحراويين تعرف بمجموعة آكجيجيمات، كان الجيش الإسباني قد اعتقلهم وبعد فترة تم تبادلهم مع أسرى إسبانيين لدى البوليساريو، ويقولون إنه بدل تكريمهم رمتهم قيادة البوليساريو في معتقل لأسباب قبلية تتعلق بحرب قديمة بين قبيلتهم وإحدى القبائل التي ينعتونها بالنافذة.
وبعد سنوات من السجن أخرجوا للأعمال الشاقة التي ظلوا فيها إلى أن جاء الدور على القادمين من موريتانيا سنة 1982 وخفف عليهم، ولكنهم كانوا يجبرون على جلد القادمين الجدد خلال العمل، وخلال لقائي مع هذا الشخص كنت قد سألته من ضمن أسئلة طرحتها عليه عن أصعب موقف عاشه خلال الفترة الطويلة التي قضاها في المعتقل، وكان جوابه هو منظر تغره ولد باباه وهو يزحف على مؤخرته وقد تحول إلى هيكل عظمي متحرك.

 

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة