حرب غزة التي لن ينساها أحد

بقلم: عبد الهادي مزراري

دون سابق إنذار شنت عناصر المقاومة الإسلامية التابعة لحركة حماس هجوما مباغثا على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. قتلت فيه مئات الجنود الإسرائيليين واختطفت نحو 300 مستوطن إسرائيلي.
اعتبر يومها الحدث بضربة قاضية غير مسبوقة تلقتها إسرائبل منذ قيامها على أرض فلسطين على إثرها حج زعماء الدول الغربية لتقديم العزاء والدعم.
مباشرة بعد ذلك شنت إسرائيل حربها الضارية على قطاع غزة، معلنة الأهداف التالية:

– تنحية حركة حماس من المشهد السياسي (لم يتحقق)

– نزع سلاح المقاومة (لم يتحقق)

– تهجير سكان القطاع إلى شمال سيناء (لم يتحقق)

– تحرير الأسرى (لم يتحقق بالقوة)

– إعادة الانتشار العسكري في القطاع (لم يتحقق)


لتنفيذ ذلك شنت القوات الإسرائيلية بقيادة حكومة الحرب التي تزعمها بنيامين نتنياهو حربا مدمرة استخدمت فيها كل وسائل الدمار ، قتل خلالها نحو 50 الف فلسطيني وأكثر من 100 الف جريج وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني داخل القطاع، وتم تدمير اكثر من 97 في المائة من البنية التحية، في مقدمتها المستشفيات والمدارس والطرق والمراكز الادارية وعشرات آلاف المرافق  والبيوت.
مقابل ذلك قتلت المقاومة الفلسطينية نحو 2000 جندي إسرائبلي (ليس هناك إحصاء دقيق) ومئات الجرحى، وتمكنت من تدمير مئات الآلات العسكرية الإسرائبلية من دبابات ومصفحات ومزنجرات وعربات قتالية، وتمكنت المقاومة في القطاع من تهجير المستوطنين من جنوب إسرائيل بسبب قصف المستوطنات بالصواريخ والطائرات المسيرة.
للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة المحاصر تكلفة اقتصادية باهضة الثمن، ففي الوقت الذي جاع الفلسطينيون حد الموت وحرموا من المساعدات الإنسانية ودمرت كافة مراكز الأونوروا، عانى الاقتصاد الإسرائيلي من آثار الحرب، خاصة بعد تدخل جماعة الحوثي في اليمن لاستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر أو تلك المتعلقة بالدول المتحالفة معها، وحسب وزارة المالية الإسرائيلية فإن إسرائيل تكبدت خلال هذه الحرب ما يصل إلى 125 مليار شيكل (34.09 مليار دولار).
للحرب بين إسرائيل وحماس امتداد آخر على الضفتين الإقليمية والدولية، ففي الوقت الذي اصطفت الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا إلى جانب إسرائيل، أعلنت إيران وحزب الله وحركة الحوثي في اليمن الدعم للمقامة في غزة، وباتت معلومات مؤكدة أن حركة حماس وأجنحتها المسلحة قامت بهجومها في السابع من اكتوبر 2023 بضوء أخضر من إيران.
بين توسيع رقعة الحرب وإبقائها في رقعتها دارت معارك دبلوماسية في الخفاء بين واشنطن وطهران، ففي الوقت الذي كان خصوم الولايات المتحدة في مقدمتهم الصين وروسيا تأملان تورط القوات الأمريكية في مستنقع الشرق الأوسط، فطن الساسة الأمريكيون إلى خطورة اللعبة وحبسوا أمريكا بين دعم إسرائيل من جهة وعدم الدخول في حرب غير محسومة العواقب من جهة ثانية.
استجاب الإيرانيون للطرح الأمريكي بعدم توسيع رقعة الحرب، قد يكون ذلك بسبب ردع أمريكي باستخدام القوة المدمرة الشاملة أو بسبب في السياسة الإيرانية المشبوهة تجاه حلفاءها من الجماعات الموالية لها في المنطقة، فهي تحرض الآخربن ولا تريد أن تتورط.
تعرضت إيران لضربات إسرائيلية قوية استهدفت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل 2024، وقتل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية ضيفا في عقر دارها في يوليوز من العام نفسه، وقتل عشرات قادتها العسكريين والسياسيين في سوريا ولبنان، وتعرصت لهجوم إسرائيلي داخل أراضيها، لكن  ردها العسكري كان طلقة فارغة في الهواء، كشفت عنه في ما بعد تصريحات مسؤولين إيرانيين وأمريكيين أكدوا أن الضربات الإيرانية والإسرائيلية المتبادلة مدروسة برعاية أمريكية.
بدوره التزم حزب الله بقواعد الاشتباك المدروس ولم يجرأ على استخدام القوة المفرطة ضد إسرائيل حتى تلقى الضربة القاضية إثر انفجار نحو 3000 جهاز بيجر في صفوف قادة وأعوان الحزب في أغرب وأخطر عملية استخبارية عسكرية إسرائيلية في شتنبر 2024.
إثر ذلك حاول الحزب توسبع نطاق العمليات القتالية ضد إسرائيل وشرع في قصف المدن الإسرائيلية بالصواريخ والطائرات المسيرة، لكنه تلقى الضربة القاتلة في هجوم 27 شتنبر 2024 وتم الإعلان عن مقتل الزعيم حسن نصر الله وعددا من كبار قادة الحزب.
استعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي مكانته في مواجهة مئات المسيرات المناهضة له داخل إسرائيل المطالبة بوقف الحرب واستعادة الأسرى، وأصبح بمنأى عن الضغوط الداخلية والخارجية.
فشلت إدارة الرئيس جو بايدن بايدن في إقناع نتنياهو بوقف الحرب رغم قرار مجلس الأمن وتوصيات والأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة، ورغم آلاف المسيرات الشعبية في مدن الولايات المتحدة والدول الغربية التي تضغط لإنهاء الحرب.
مع دخول أمريكا السباق الرئاسي، ظهر عنصر جديد، وهو في الحقيقة قديم جديد هو السيد دونالد ترامب المعروف عنه الأكثر تمثيلا للدولة العميقة في الولايات المتحدة.
شاع خلال ولايته السابقة (2017-2021) موالاته المطلقة لإسرائيل، لكن مياه كثيرة جرت تحت الجسر من ذلك التاريخ، وثمة أمور خفية حدثت جعلته يمسك العصا من الوسط، ففي أول لقاء جمعه مع نتنياهو إبان حملته الانتخابية في يوليوز 2024 في فلوريدا، قال بصريح العبارة لضيفه الإسرائيلي”بجب عليك إنهاء حربك قبل وصولي إلى البيت الأبيض”.
من جهته، حاول نتنياهو اللعب على الحبل وأوفد مسؤولا إسرائيليا في دجنبر الماضي إلى ترامب بعد الإعلان عن فوزه في الانتخابات الأمريكية، يسأل ترامب عن أي حرب يريد إنهاءها قبل أو بعد عودته إلى البيت الأبيض، وهنا كان الجواب صادما “على نتنياهو إنهاء كل الحروب”.
من أجل تلطيف الجو مع الإسرائليين بشكل عام، ومع اليهود بشكل خاص في الولايات المتحدة استمر ترامب يردد عبارته “إذا لم يعد الأسرى إلى بيوتهم قبل عودتي إلى البيت الابيض فسيكون هناك جحيم”.
في 27 نونبر 2024 انتهت الحرب الإسرائيلية في لبنان، وفي 15 يناير 2025 على بعد خمسة أيام من وصول ترامب إلى البيت الأبيض تم الإعلان عن اتفاق وقف الحرب في غزة.
من أبرز مخلفات حرب غزة، انكشاف فظاعة الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، صدور مذكرة اعتقال دولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، مقتل قادة حزب الله وتراجع دوره السياسي في لبنان، تراجع الدور الإيراني في المنطقة العربية، سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، اهتمام روسيا بدعم الحركات والجماعات المعادية لأمريكا في الشرق الاوسط.
ثمة أحداث تبدأ ولا تنهي .. تكون مقدمة لتحولات دراماتكية تنتظرنا في الطريق، والأجدر  بنا التفكير مرتين في كل ما جرى قبل التفكير في ما سيحدث.

الصحراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة