لماذا يتمسك النظام الجزائري بجبهة البوليساريو؟


بقلم: عبد الهادي مزراري


بعد نشر المقال الأخير “لا يخيفكم الاتحاد الأوروبي .. هو أوهن من بيت عنكبوت”، تلقيت سيلا من الأسئلة حول دور الجزائر في الخطوة العدائية التي قام بها البرلمان الأوروبي تجاه المغرب.
فعلا لم أذكر الجزائر في هذا المقال، ما جعل البعض يتساءل، هل القرار الأوروبي صدر بدون رائحة غاز الجزائر؟ أم انني لم أشم تلك الرائحة التي شمها الجميع؟
الجواب هو أن النظام الجزائري أوهن من أن يدفع الاتحاد الاوروبي لاتخاذ خطوة معادية ضد المغرب. لكن الاتحاد الأوربي هو من اتخذ قراره، والسؤال المطروح من دفع البرلمان الأوروبي إلى تبني موقف الإدانة ضد المغرب في مجال حقوق الإنسان؟
في المقال السابق، أوضحت أن من حرك الناعورة هي فرنسا، وبخلافها توارت إسبانيا وألمانيا ودول أخرى عن هذا القرار، بل صدرت أصوات أخرى من داخل الاتحاد الأوروبي تتهم فرنسا بمحاولة الإضرار بعلاقات الشراكة بين المغرب والاتحاد.
نعود الآن إلى النظام الجزائري وموقعه في ما يحدث من تطورات. قبل بضعة أيام، ومباشرة بعد أن أصدر البرلمان الأوروبي قراره ضد المغرب، ظهر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يخطب منتشيا أمام ضباط في الجيش وولاة إدارة النظام يقول لهم “لن نتخلى عن دعم الصحراء الغربية”، كاشفا ومؤكدا أنها قضية مصيرية بالنسبة للجزائر، بل عفوا للنظام الجزائري.
لم تمر أيام على تصريحه، حتى جدد الخطاب نفسه، وهو يقف إلى جانب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي حلت بالجزائر لاستصدار اتفاقيات تزود بها بلادها من الغاز الجزائري، طبعا بأسعار تفضيلية ولآجال طويلة الأمد، مقابل ان يردد إلى جانبها تبون أسطوانته المشروخة “ندعم الشعب الصحراوي في إجراء استفتاء وتقرير مصيره”.
بهذا التصريح، يسقط الرئيس الجزائري ورقة التوت عن عورة النظام الجزائري ويكشف نفسه بنفسه أنه ليس طرفا محايدا في نزاع الصحراء، بل يؤكد ما نص عليه قرار مجلس الأمن 2654، الذي سمى الجزائر طرفا أساسيا في النزاع ودعاها إلى الجلوس حول الموائد المستديرة، التي تشرف عليها الامم المتحدة.
لم ينتبه النظام الجزائري إلى هذه السقطة التي وقع فيها، معتقدا أنه بالإعلان الصريح بالدفاع عن البوليساريو يمكن ان يغير مجرى الأحداث ويعيد عقارب الساعة إلى ما قبل واقعة الكركرات في نونبر 2020، وما قبل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في دجنبر 2020، وإلى ما قبل الاعتراف الألماني في دجنبر 2021، ثم الاعتراف الإسباني في مارس 2022.
يعتري النظام الجزائري حماس قوي هذه الأيام باستعمال ورقة الغاز لتلبية طلبات كل الدول الاوروبية، التي تريد مقايضة موقفها من الوحدة الترابية للمغرب بما تحتاجه من نفط وغاز، وبالتالي فالنظام الجزائري مستعد ليدفع كل ما تملكه الجزائر في سبيل ألا يعود هناك صوت يقول إن الصحراء مغربية، أما على مستوى الواقع فهي كذلك منذ أكثر من أربعة عقود، فضلا عن تزايد وتعاظم الاعترافات الدولية والإقليمية الوازنة بسيادة المغرب على هذه الربوع.
إذن، في أي خانة يمكن ان نصنف تحركات النظام الجزائري الراهنة ضد الوحدة الترابية لجاره الغربي؟
عرف النظام العسكري الجزائري انتكاسات خطيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي:
على الصعيد الوطني يظل الحراك الشعبي مثل التنين النائم، فبالكاد تمكنت “الماكينة” العسكرية على عهد احمد كايد صالح من إخماد الثورة الشعبية، ولو بشكل مؤقت، واستقدمت واجهة سياسية اختارت لتمثيلها عبد المحيد تبون.
لكن كعادتها أنظمة العسكر مثل العصابات يأكل أعضاءها بعضهم البعض، تم اغتيال الكايد صالح وتولى مكانه سعيد شنقريحة، ودارت الطاحونة على انصار صالح فيما جرى تبرئة عناصر إجرامية في الجيش محسوبة على خالد نزار وزبانيته.
وبينما ينتظر الشعب الجزائري إنجازات “الجزائر الجديدة”، التي وعدهم بها تبون، تطول الطوابير خلف المواد الغذائية زيت وحليب ودقيق، ويرتفع عدد الشباب الجزائري الغرقى في البحر المتوسط، وتشتعل الحرائق في الغابات ولا تجد من يقاومها، وتغرق مدن وقرى في الفياضانات في غياب البنية التحتية الضرورية.
على الصعيد الخارجي، وفي غضون ذلك، تزداد عزلة النظام الجزائري في حربه ضد المغرب، ويحصد انتكاسات في القارة الإفريقية من خلال سحب الاعتراف بالدولة الوهمية وتزايد عدد الدول التي تفتح قنصلياتها في العيون والداخلة.
كما سلطت الدول العربية انظارها على قصر المرادية اكثر من اي وقت مضى، وارتفعت أصوات دول مجلس التعاون الخليجي مؤيدة الوحدة الترابية للمغرب من الدوحة والرياض والكويت وابوظبي والمنامة ومسقط، وأيضا من عمان والخرطوم والقاهرة، وترددت في ردهات الامم المتحدة ومجلس الأمن. كما برهنت الاقطار العربية على دعمها الموقف المغربي من خلال القمة العربية التي احتضنتها الجزائر، ومن داخلها جرى تحذير النظام الجزائري من التلاعب بالأمن العربي والارتماء في أحضان إيران ونقل الفتنة إلى غرب الوطن العربي.
في ظل الوضع الانتكاسي للنظام الجزائري، الذي صرف ثروة الشعب على دعم البوليساريو طوال نصف قرن، لم يعد بوسعه التراجع إلى الخلف، إذ يمثل ذلك انتحارا وإعلانا لفشل النظام الذي وضع نفسه في خدمة هذه القضية التى تلاعب من خلالها بعقول الجزائريين مدة نصف قرن من الزمن.
هناك أيضا عامل آخر، يفرض على النظام العسكري الجزائري التنسك بجبهة البوليساريو، وهو أنه نظام في قبضة جماعة من العسكر الموالين لفرنسا، يأتمرون بأوامرها وينتهون بنواهيبها، فمنذ أن غادرت السلطات الفرنسية الجزائر عام 1962، تركتهم مثل مسامير صدئة مثبتة بإحكام في طاولة السلطة. إنهم مستعدون لفعل أي شيء حتى لو اقتضى الأمر إشعال عشرية سوداء جديدة في البلاد، او إدخالها في حرب بلا هوادة مع المغرب، ومن مصلحة الماما فرنسا ألا تكون هناك اي علاقة طبيعية وسلمية وتعاونية بين الشعبين المغربي والجزائري.
لا يملك النظام العسكري الجزائري أي مبدأ ولا أي عاطفة تجاه اي شعب، أو أي دولة، ولا يهمه الصحراويون ولا غيرهم، هو فقط ينفذ أوامر الماما فرنسا ويحافظ على امتيازاتها مع امتيازاته.
إن السر الخفي في طبيعة هذا النظام المثير للجدل يوجد في فرنسا، فهي الوصية عليه، ومن خلاله منحت الجزائر استقلالا في الظاهر، واحتفظت بالعسكر بمثابة مفاتيح القيادة في السر.
اليوم، وبعد أن قال المغرب لفرنسا “اكشفي القناع عن وجهك”، سقط الستار وانكشف أن النظام العسكري الجزائري والدولة العميقة في فرنسا هما جسدين في جسد واحد. وما لم تقرر فرنسا تغيير موقف النظام العسكري الجزائري من قضية الصحراء لن يتغير، اللهم إذا تغير هذا النظام البئيس كما تغير غيره من الأنظمة العسكرية الاستبداية وجاءت محلها قيادات وطنية أخرى نفضت غبار فرنسا عن بلادها.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة