أنبوب الغاز: نيجبريا الجزائر أم نيجيريا المغرب؟


بقلم: عبد الهادي مزراري


تناقلت وسائل الإعلام، الأسبوع الذي نودعه، خبر توقيع الجزائر مذكرة تفاهم “جديدة” مع النيجر ونيجيريا للشروع في تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء.
ووقع مذكرة التفاهم عن الجانب الجزائري وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، وعن دولة نيجيريا وزير الدولة للموارد البترولية تيميبري سيلفا، وعن النيجر وزير البترول والطاقة والطاقات المتجددة ماهامان ساني محمدو.
مباشرة بعد هذا الإعلان، تلقيت اتصالات يستفسر أصحابها عن مدى صحة الخبر، خاصة أن المغرب بدوره يتحدث عن مشروع انبوب الغاز نيجيريا أوروبا عبر المغرب.
من أجل معرفة ماذا يجري، أجريت اتصالات مع مصادر مسؤولة للاستفسار عن مصير المشروع المغربي، لكن من دون الحصول على أجوبة، وكل ما تم استخلاصه أن المغرب غير معني بما تقوم به الجزائر.
طبعا لا يختلف إثنان أن البلدان في سباق محموم، وأن أجواء التصعيد انتعشت في الفترة الأخيرة، خاصة بعد النجاحات التي حققها المغرب على صعيد ملف وحدته الترابية، ووصوله لانتزاع اعتراف دول كبرى بمغربية الصحراء، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا.
فضلا عن ذلك، استطاع المغرب جذب مواقف الدول الإفريقية إلى صفه، وعاد إلى الاتحاد الافريقي، وأصبح يتمتع بأغلبية الأصوات، ووصارت له مكانة متميزة داخل القارة.
لم يكن من بد للنظام الجزائري لمواجهة التقدم المغربي سوى رفع منسوب التوتر بين البلدين، فأعلن المغرب بلدا عدوا، قطع العلاقات الديبلوماسية، أغلق الأجواء في وجه الطائرات المغربية، أغلق أنبوب النفط الذي يمر عبر المغرب في اتجاه إسبانيا، نشر قواته على الحدود، قام بمجموعة من الاعمال الاستفزازية من خلال ميليشيات البوليياريو، أقحم شاحنات النقل الطرقي المدني في اختراق الحدود المغربية.
لكن في كل خطوة يقوم بها النظام الجزائري كان الرد يأتيه بنتائج عكسية، وانهالت عليه المواقف المعارضة لأطروحته المعادية للمغرب في الأندية الإفريقية والأوروبية والعربية والدولية، حتى صار عاجزا عن استضافة القمة العربية، التي كان يفترض تنظيمها في مارس الماضي.
في ظل التعترات التي تطبع السياسة الخارجية الجزائرية ضد المغرب، تردد في مراكز القيادة في دول إفريقية وأوروبية مشروع إنجاز انبوب النفط نيجيريا أوروبا عبر المغرب.
إلى هنا جن جنون النظام الجزائري، خاصة بعد دخول المشروع حيز الدراسة، وإعلان دول كبرى دعمها له. فمشروع الأنبوب بالنسبة للجزائر تم طرحه للمرة الأولى قبل أكثر من 40 عاما، وجرى توقيع اتفاق بين الدول الثلاث (الجزائر نيجيربا النيجر) في 2009، لكن المشروع لم يشهد من وقتها تقدما يذكر.
بالنسبة للذين يتساءلون عن سبب تعتر المشروع (الجزائري)، طيلة أربعة عقود، فالجواب يوجد عند النظام الجزائري الذي عطل عملية التنفيذ، وذلك للأساب التالية:

  • الجزائر بلد منتج للغاز، وليس من مصلحتها تسويق غاز دولة اخرى عبر أراضيها باتجاه السوق نفسه الذي تبيع فيه منتوجها.
  • تنفيذ المشروع كان سيضر بمصلحة روسيا التي تبيعها كميات كبيرة من الغاز إلى أوروبا عبر أنبوب نرود ستربم 1، وكانت بصدد بناء أنبوب نورد يتريم 2. وبذلك كان النظام الجزائري طيلة هذه المدة يتلاعب بنيجيربا من جهة ويستعمل المشروع كفزاعة للحصول على ما يريد من روسيا من جهة ثانية.
  • تنفيذ المشروع يحتاج إلى إرادة صريحة وقوية، ويتطلب شراكات موثوق بها، وهو ما لا يتوفر عليه النظام الجزائري.
    الآن، وبعد وقوع حدثين مهمين، وهما:
    1- الحرب الروسية في أوكرانيا مع سعي الأوروبيين للاستغناء عن الغاز الروسي وإيجاد بديل له.
    2- تزايد الاهتمام الغربي والدولي بمشروع أنبوب نيجيربا اوروبا عبر المغرب.
    في غمرة ذلك، يسارع النظام الجزائري لتنفيذ مشروع أنبوب الغاز عبر الصحراء، وذلك من أجل تحقيق هدفين رئسيين، وهما:
    أولا: تعطيل مشروع أنبوب نيجيريا – أوروبا عبر المغرب.
    ثانيا: امتلاك وسيلة ضغط جديدة على الأوروبيين بواسطة انابيب الغاز الجزائرية والنيجيرية.
    الأسئلة المطروحة هي: هل فعلا سينجح النظام الجزائري في تنفيذ هذا المشروع؟
    هل سيمح للنظام الجزائري بأن يكون موثوقا به، وهو الذي سبق ان استعمل انبوب الغاز المتوسطي الذي يمر عبر المغرب كسسلاح في وجه المغرب ثم بعد ذلك في وجه إسبانيا؟
    هل ستنخرط دولة نيجيريا في المشروع الجزائري بحساباته السياسية ذات الطابع الكيدي دون أن تفكر في العواقب الإقليمية والدولية؟
    هل ستسمح الدول الأوروبية التي تشكل السوق الرئيسية للغاز النيجيري، بارتهان نفسها لدى النظام الجزائري، وفي مشروع يمر في مناطق خارج السيطرة؟
    مقابل ذلك، يعتبر مشروع أنبوب نيجيربا – أوروبا عبر المغرب، مشروعا قاريا يشمل 13 بلدا إفريقيا، ويحمل الطابع التنموي لجزء مهم من القارة قبل أن يصل إلى أوروبا.
    أضف إلى ذلك، أن مشروع انبوب الغاز نيجيريا اوروبا عبر المغرب، يجعل نيجيريا على قدر مهم في قارتها ويعزز موقعها داخل الاتحاد الإفريقي، ويمنحها شركاء دوليين استراتيجيبن.
    إن القرار النهائي بإنجاز هذا المشروع، وبهذا الحجم، تحدده أولويات عابرة للقارات، ولا تسمح للحسابات الضيقة لهذا الطرف أو ذاك، بأن يفعل فعله ويعتقد أنه حسم الأمر لصالحه، إن من وقعوا بعض مذكرات التفاهم أكدت الأيام في ما بعد أنهم لم يفهموا.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة