وضع النظام الجزائري في سياقه


بقلم: عبد الهادي مزراري
أثار قرار النظام الجزائري بقطع العلاقات الديبلوماسية مع المغرب موجة من الردود السياسية سواء على المستوى الدولي والإقليمي، وأيضا المحلي، وتطرقت وسائل الاعلام العربية والدولية بإسهاب إلى هذا الموضوع. جاء قرار النظام الجزائري بإعلان قطع العلاقات، بعدما كان المغرب قدم في 30 يلويوز الماضي مبادرة الصلح مع الجزائر، وعلى لسان الملك محمد السادس شخصيا في خطاب عيد العرش، الذي خصص فيه حيزا مهما للجارة الشرقية وللعلاقات المستقبلية معها. جاء قرار النظام الجزائري، داعيا إلى القطيعة أيضا بعدما عرض المغرب نفسه للمساعدة على إطفاء الحرائق التي التهمت مساحات كبيرة من غابات وقرى الجزائر، وتم رفض العرض المغربي، دون تقديم أي مبرر، في وقت عجز فيه حكام الجزائر عن اخماد النار وتركوها تأكل حتى أبناء الشعب. جاء قرار النظام الجزائري بقطع العلاقات مع المغرب، كذلك بعدما ارتفعت أصوات من داخل الجزائر وخارجها تطالب بفتح الحدود بين البلدين، وتطبيع العلاقات، ودفن خلافات الماضي، في وقت يعاني فيه الجميع تحديات أمنية وصحية واقتصادية، فضلا عن الكوارث الطبيعية التي تضرب في أماكن كثيرة من المعمور حرقا وغرقا ونسفا.
في ظل كل هذه السياقات، هل كان متوقعا أن يكون رد النظام الجزائري بإعلان تطبيع العلاقات مع المغرب؟ الجواب هو: لا ولا وألف لا لو ذهب النظام الجزائري في اتجاه تهدئة الأوضاع ما كان ليكون النظام الجزائري. والسبب معروف، ويمكن اختصاره في سيكولوجية شخص مقامر خسر كل ما يملك، ولم يعد يشعر بأهمية أي شي حوله. يشكل الفشل الذي راكمه النظام الجزائري على الصعيد الداخلي حافزا خطيرا لدفعه نحو أي مغامرة عدوانية يصورها للشعب – الذي يطالب بإسقاطه – على أنها حرب مقدسة ضد عدو تاريخي. لذلك جاء في الصكوك التي تلاها رمطان لعمامرة وزير خارجية النظام على صحافة النظام، أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب يستمد جذوره من حرب بادت وباءت منذ بداية ستينيات القرن الماضي. كما استلهم قاموس القطيعة من الوحي بأن المغرب أشعل الحرائق، وقتل جمال إسماعيل، ويحرض إسرائيل، ويغرر بالشعب الجزائري، ويقدم الدعم للإرهاب، ويشجع على انفصال القبايل.
يعرف الجميع أن المغرب بريء من هذه التهم، لكن ما لا يعرفه الناس جميعا، هو لماذا يفر النظام الجزائري إلى إلصاق كهذا تهم بالمغرب؟ يفعل النظام الجزائري ذلك لأنه لا يجد مخرجا من المأزق الذي وضع نفسه فيه. من جهة أولى هو مطالب بتقديم الحساب للشعب على مصير ملايير الدولارات التي تبخرت في الهواء، وذهبت إما إلى دعم البوليساريو أو إلى جيوب أفراد في النظام، في وقت لا يجد فيه الجزائريون دقيقا ولا زيتا ولا دواء ولا حتى ماء بطفئون به العطش قبل النار . من جهة ثانية، وجد النظام الجزائري نفسه خسر معركة الصحراء ضد المغرب، ففي الوقت الذي بدأت كبرى الدول في العالم ومعها دول القارة الإفريقية تصطف إلى جانب الرباط وتدعم الوحدة الترابية للمغرب، حيث شعر النظام الجزائري بالعزلة وتقهقر وضعه الخارجي حتى لم يعد وزير خارجيته يمثل إلا نفسه، وقد تم استبدال بوقادوم بلعمامرة على أمل أن ينهل هذا الأخير، ولو اليسير من بركة الزمن البائد. من جهة ثالثة، لا يعتبر النظام الجزائري نظاما وطنيا مستقلا، فهو جماعة من الأشخاص في الجيش وفي الحزب الوحيد (جبهة التحرير الوطني)، التي يلقبها الجزائريون بجبهة التخريب الوطني، وهي جماعة مرتبطة بالقيادة الفرنسية، تخضع لبروتكول سري يعود تاريخه إلى ما قبل “استقلال البلاد”، حيث تعمل الجماعة الحاكمة على تأمين مصالح فرنسية مقابل تأمين فرنسي لبقاءها وسيرورتها في الحكم.
بناء على ذلك، لا يستطيع النظام الجزائري اتخاذ القرارات الصائبة والبناءة، فهو نظام مرهون بفشله على الصعيدين الداخلي والخارجي وتبعيته لجهة خارجية تسيره من تحت الطاولة، وتمسك بكل خيوط اللعب في طاولة القمار التي يتحلق حولها أركان النظام. في هذه الحالة، يتعين على المغرب الذي يبدو مزعجا أكثر فأكثر بسبب النجاح الذي بدأ يحققه، أن يكون حذرا جدا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن نجاحاته كما لا تروق للنظام الجزائري، قد لا تروق أيضا لألمانيا وفرنسا وإسبانيا.
لا يستبعد أن يوظف النظام الجزائري نفسه في كارثة ما ضد المغرب، أو توظفه جهة خارجية تتحكم فيه أو جهة تستطيع أن تستغل حالة اليأس التي يوجد عليها، وتدفعه إلى شن حرب ما في المنطقة للنيل من المغرب ووقف تقدمه. يجب على المغرب أن يضع النظام الجزائري في سياقه، ويحترس من كل التطورات في المنطقة، وأفضل طريقة للتعامل مع الوضع هو ترك النظام الجزائري يواجه مصيره بنفسه، وعلى قول الحكماء القدامى كم من حاجة قضيناها بتركها.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة