عودة المغرب إلى الحضن الإفريقي القصة الكاملة

ضربة معلم تنهي لعب الصغار

القصة الكاملة لكواليس وأسرار المعركة التي قادها جلالة الملك محمد السادس باقتدار في أديس أبابا، تفسر استقبال الأبطال الذي حظي به صبيحة الثلاثاء بين ظهراني القادة الأفارقة، معركة ضارية حاول الخصوم فيها استعمال كل قفازات الخبث والابتزاز حتى آخر لحظة.

ضربة معلم كانت واضحة في تفاصيل هذه الكواليس، التي جرى الطبخ لها منذ مدة، لكنها بدأت في التشقق منذ عشاء اللمة الإفريقية، وتكسرت تحت حنكة قادة أفارقة من طينة الرئيس الغيني، الذي أعاد للشرعية معناها، لتغادر زوما واللوبي الجزائري منصة المؤامرات، وفي المستقبل مزيد من الجهد لتطهير القارة من لعب السياسة، لفائدة الانشغال بمستقبل الإنسان الإفريقي.

ليلة الغبن وطبخ السيناريهات

لم تنم أعين الخصوم طيلة ليلة الأحد. عشاء القمة الموازية الذي أقامه الملك محمد السادس والاستجابة الواسعة للأفارقة له، أدخلت كومندوهات اللوبي المناوئ للمغرب في حالة هستيرية، كانت مؤشرات إجماع الأفارقة على عودة المغرب شبه محسومة.

في كواليس الظلام، كان المخطط الذي سبق لسفير البوليساريو أن كشفه بطريقة وصفها صحفي جزائري، بـ«الغباء»، تعاد بروفة تنفيذه، وفي اليد آلة طيعة كانت ما تزال في الخدمة، إنها الجنوب إفريقية غير المأسوف على رحيلها ديلاميني زوما، مستعدة للتنفيذ.

السيناريو الأول كان يقضي باعتماد ما وصف بالاستشارات القانونية للخبير الإفريقي الذي وضعت دول اللوبي الجزائري طلبها له لدى مفوضية زوما، لتبنى عليه حزمة المساطر التي تغرق مناقشة طلب المغرب في تفاصيله، لتضطر القمة إلى تأجيله في الحد الأدنى لتوقعاتهم.

السيناريو الثاني كان هو ممارسة البلطجة، وخلق جو مشحون، وادعاء أن المغرب يهدد الاتحاد بالانقسام، وهو ما عملت الآلة الإعلامية لخصوم المغرب على ترويجه على أوسع نطاق، حتى أن وكالات مشهود لها بالمهنية والتحري في المعطيات القانونية والمسطرية، سمحت لنفسها بالتماهي معه، طيلة صبيحة الاثنين.

كانت هذه السيناريهات تطبخ وأغلب قادة الدول عادت إلى غرفها استعدادا ليوم الحسم، كان الهدوء والرزانة يطبعان ردود أفعال أصدقاء المغرب المعروفين، والذين تتهمهم الجزائر بالخضوع لضغوطات خارجية، في محاولة لإحراجهم.

تدعيم الخط الهجومي للجزائر واللوبي التابع لها، استعملت فيه كل الأراق، إذ تكفلت جنوب إفريقيا بالطوق المحيط بها، والمكون من دول الجنوب التي تتحكم في حياتها اليومية، عبر تكفلها بمجموعة من الخدمات وخيطها بمصالح يستفيد منها حكام تضمن بقائهم الأبدي في السلطة.

الجزائر تكفلت بإحراج مجموعة من الدول التي آثرت عدم تقدم الصفوف الأمامية للدفاع عن شرعية عودة المغرب، لكنها لم تنجح في دفعها لتبني الأطروحة الجزائرية، بل وعمدت إلى استخدام ورقة التصويت على أجهزة الاتحاد لابتزاز دول أخرى، حيث نشرت الصحف الجزائرية خبر تبادل الأدوار بين الجزائر وموريتانيا في تقديم المرشحين لأجهزة الاتحاد، عبر التنازل المتبادل.

صبيحة الحرب الباردة

صبيحة يوم الاثنين، كانت تعلن عن انطلاق حرب نفسية رهيبة مارستها الجزائر وجنوب إفريقيا، كان قرار تحويل نقطة مناقشة طلب عودة المغرب إلى فترة ما بعد الظهيرة قد بدد جزءا من السيناريوهات التي تم وضعها، وبدت ديلايمني زوما تترنح، لكن هذه الفترة المستقطعة منحت للجزائر ولوبيها فرصة إبعاد الشبح المخيف الذي كان يداهمهما.

ترتيب الرأي العام في الجزائر وتندوف بدا واضحا طيلة الصباح، تغيرت لغة التهديد والبلطجة التي كان ممثلو البوليساريو قد أغرقوا بها وسائل الإعلام الجزائرية، وبدأ الحديث عن شعارات لا يصدقها أحد، من قبيل المغرب يعترف بالجمهورية الصحراوية، هزيمة المغرب المدوية، وغيرها من العناوين التي شرع رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر وتندوف يسخرون منها، وينشرون مقاطع مناقضة تماما مع تصريحات نشرتها وسائل الإعلام نفسها قبل ساعات فقط.

في الجانب المغربي كانت الرجة التي خلفتها القمة الموازية التي نفذها محمد السادس بنجاح باهر، تمنح للعارفين بخبايا تحركاته في القارة الإفريقية اطمئنانا غير مشكوك فيه، بأن ساعة الحسم اقتربت، وكانت أنفاس المعركة الضارية التي تخوضها الدبلوماسية المغربية في ردهات مقر الاتحاد ومحيطه تضع اللمسات الأخيرة على الإخراج المشرف للانتصار المغربي.

مرت صبيحة الاثنين في الترقب، ولم تمنح الأخبار المرتبطة بأشغال جلسة الصباح ما يكفي من الإثارة لتحويل أنظار المراقبين عن النقطة الأهم في القمة، لم يتحدث أحد عن المرافعة الجزائرية التي قادها عبد المالك سلال، حول رؤية الجزائر لإصلاح منظومة الاتحاد، بالرغم من أن رائحة الهزيمة كانت تفوح منها.

كرر عبد المالك سلال عشرات المرات كلمة «تطعيم» القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، وبمثلها كرر كلمة «قدسية القانون الأساسي»، وهو ما كان يعني التحوط لما بعد العودة المحسومة للمغرب لأجهزة الاتحاد، والتخوف الهستيري على مستقبل «النشاز» الذي يمثل وجود البوليساريو.

نقطتان تم الحسم فيهما، واحدة استسلمت فيها الجزائر لحتمية القانون، وتتعلق بتسلم الرئيس الغيني ألفا كوندي لرئاسة الاتحاد خلفا للرئيس التشادي، والثانية حاولت وضعها في خانة انتصارات الجزائر الآنية داخل أشغال القمة، وتتعلق بانتخاب التشادي محمد فقي خلفا لديلاميني زوما، والذي قالت إنه فاز كمرشح حظي بدعمها.

المغرب الذي كان يعلم حجم التآمر الذي قادته هذه الجنوب إفريقية ضده، عبر عن ترحيبه بالمفوض الجديد، وبتلميح ذكي أسر أن المغرب لن يواجه أسوأ من زوما بعد مغادرتها، وعلق أحد الصحافيين على طرفي هذا التصريح، بالقول إن الجزائر تخفي هزيمة مرشحها المثالي في شخص وزيرة الخارجية الكينية، التي سبق لها أن زارت مخيمات تندوف قبل انعقاد القمة، ورفعت شعار الدفاع عنها في حملتها لانتخابات المفوضية، فيما المغرب كان يعلم أن اللحظة الحاسمة فيما ينتظره، خرجت من بين أيدي اللوبي الجزائري منذ انتخاب صديق المغرب الكبير الرئيس الغيني رئيسا للاتحاد.

تسخينات الغذاء

كانت ديلاميني زوما في المنصة تتحدث كمرشد سياحي لتوجيه وفود الرؤساء نحو مطعم الغذاء في ختام الجلسة الصباحية، «المرجو إفساح المجال للرؤساء، على الأمن أن ينظم الولوج ويرافق الرؤساء، المسموح به اثنان زائد واحد مع كل رئيس». بدا صوتها بنبرتين، حس الفكاهة والجدية الذي يعلن عن ظاهر الثقة، ونبرة باطنية توحي بكم الخوف الذي ينتظرها بعد وجبة الغذاء.

توجه الجميع لتناول وجبة الغداء، وكانت الآلة الإعلامية للتشكيك في قدرة المغرب على حسم عودته خلال هذه الدورة فعلت فعلتها، وبدا صداها واضحا في المواد الصحفية القليلة التي تم نشرها في الإعلام الجزائري، عادت تصريحات سفير البوليساريو العنترية للظهور، «لن يتمكن المغرب من فرض نفسه»، «لقد سبق التصدي له في كيغالي وغيرها من المحطات»، «لن يعود المغرب إلا بعد أن يعترف دستوره بالحدود الموروثة عن الاستعمار»، وغيرها من أسطوانة اليقين المطلق بإفشال عودة المغرب.

تسرب التخوف لدى عديد الصحفيين المغاربة والأصدقاء، وبدت تغطية المجلة الفرنسية المهتمة بالشأن الإفريقي، مخيفة.

مصادرها التي تحدثت لها عن وجود مخطط لعرقلة عودة المغرب، وإرجائها، وتشكيل لجنة حكماء، وغيرها من توابل التسريب المعبر عن الشعور بالفشل، بدأت تزيد من منسوب الأدرينالين.

حكماء إفريقيا الحقيقيين كانوا يتناولون وجبة غذائهم في هدوء تام، وبدت النقاشات الجانبية تخفي شيئا غامضا، لم ينعكس الجو الهامشي للقمة على عمقها، وفي ردهات المقر كانت جنوب إفريقيا قد تكفلت بالنيابة عن الجزائر في رفع منسوب الضغط، فيما المقربون من محيط القرار المغربي، كانوا يخفون تفاصيل ما تم التخطيط له بكل الهدوء التام.

أبواب مغلقة لفتح مقر الاتحاد الإفريقي في وجه المغرب

جلسة ما بعد الظهيرة كانت حاسمة. انتقلت وفود الرؤساء وممثلو الحكومات تباعا نحو القاعة التي ستنكب على فض الاشتباك الطويل، ومواجهة كل السيناريهات المعروفة وغير المعروفة، فيما وصف بنقطة التحول في مصير الاتحاد الإفريقي.

زوما خارج غرفة أزرار التسيير وقيادة سفينة هذه الجلسة الحاسمة، وفي القيادة يجلس الرئيس الجديد للاتحاد، وبجانبه المفوض الجديد، هي إذا بالنسبة للمتابعين حلة جديدة بقفازات مغايرة لمواجهة هذه النقطة الساخنة.

لم يكن أحد يعلم تفاصيل ما يجرى، لكن استعدادات الصحفيين والأطقم الدبلوماسية كانت مهيأة لاختراق جدران القاعة المغلقة، وما كان يرشح من هذه الجلسة عبارة عن تعميمات تتحدث عن الجو الساخن الذي تعرفه القاعة، وأن مناقشة عودة المغرب ستعيش أطوارا طويلة.

بعد ساعات من الانتظار، بدأ الحديث عن اقتراب موعد التصويت، وكانت المداخلات التي هيمن عليها الحلف المناوئ للمغرب تتجه نحو الاستسلام للتصويت كمكسب وحيد تبقى بين أيديهم، بعد أن استخدم رئيس المؤتمر السلطة الحقيقية لاحترام الشرعية، ورفض كل الألاعيب التي تم التهييء لها، خصوصا ما وصف بالاستشارة القانونية.

وستكون نقطة التحول القوية في هذه المناقشات، حين حاولت زوما تجريب الاقتراب من الملف بعيدا عن منصبها الذي فقدته بعد وقت قصير. الضربة الموجعة ستأتي من الرئيس السابق للاتحاد التشادي إدريس دبي، والذي لم ينس الإهانة التي سببتها له، بعد أن مارست التعتيم على طلب المغرب، واضطر للتحرك بعد مكالمة العاهل المغربي له.

كان الرد قاسيا حين ذكرها بأنها أخفت طلب المغرب ولم توزعه كما يقتضي ذلك القانون الذي أقسمت عليه يوم تنصيبها، لم تجد زوما الفرصة ولا الجهد للرد على هذه الضربة القاضية، ليأخد مسار النقاش منحى العودة للشرعية، وكان الرئيس الغني باذخا في التعبير عنه.

«أيها السادة هل تريدون تطبيق الديمقراطية؟». فهي تعني أن المغرب عاد للمنظمة بمجرد اكتمال النصاب القانوني. انتهى الكلام فعلا، خرج الخبر كالسهم من خلف الأبواب المغلقة، وخرج رؤساء دول بعدها يشرحون هذه العودة للشرعية.

قبلها كانت زغاريد نسوة الوفد المغربي قد زرعت في نفوس عناصر بوليساريو رعبا وحنقا، ولم تتمالك زوما أعصابها، وانخرطت في شرح خيبتها التي لم يكن أحد ينصت لها، فيما اختار الخبث الجزائري طريقا آخر «نهنئ المغرب بالعودة وسنتصل بالسفارة لتقوم بالواجب»، يقول مسؤول جزائري.

كل محطات وشبكة التلفزيون الرئيسية انتبهت متأخرة للحدث، وبمجرد ما اجتاح الخبر وكالات الأنباء ووسائل الإعلام التي تتوفر على مراسلين لها بأديس أبابا، حتى تحول الحدث إلى خانة «خبر عاجل»، انتهت اللعبة التي امتدت لعقود، وعاد المغرب إلى بيته، لكن المحزن في القصة، هو أن عناوين تغطية الخبر في الجزائر عادت للدورة الحلزونية للكذب على شعبها: «عودة المغرب للاتحاد الإفريقي انتصار للقضية الصحراوية». «هزيمة مدوية للمغرب في أديس أبابا». المغاربة هللوا لفرحة إفريقية مستحقة. والكل واع بأن المعركة الحقيقية بدأت الآن. المغرب في إفريقيا لا يوزع الأوهام. بدأ المعقول مبكرا وسيواصل تعميمه. وهو ما كرره ملكه الذي استقبل في قاعة المؤتمرات استقبال الأبطال. عبد الكبير اخشيشن

 

محمد سالم الشافعي

رأيان حول “عودة المغرب إلى الحضن الإفريقي القصة الكاملة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة