احتمال انتحار قائد العيون تطغى على احتمال مقتله.. كيف؟ إليكم التفاصيل

تحقيق منير الكتاوي.
من المقرر أن يوارى جثمان رجل السلطة بدرجة قائد، عثمان ولد عبداتي ولد الخطاط، الثرى، صباح اليوم الخميس 25 يوليوز 2019، بالمقبرة الموجودة بالجماعة الترابية لفم الواد بالعيون، وذلك في موكب جنائزي يحضره ممثلو السلطات الإقليمية والمحلية، سينطلق من قصر المؤتمرات.
إلى هنا الخبر عادي، فالموت واحد، والأسباب متعددة، وحالة ولد الخطاط، المنحدر من قبيلة أولاد ادليم، ليست أول ولا آخر حالة تحقق فيها المصالح الأمنية تحت إشراف النيابة العامة المختصة، لتحديد ظروف واسباب الوفاة.. أسباب تسير بعد 72 ساعة من العثور على جثة الراحل قرب واد الساقية الحمراء، نحو ترجيح فرضية الانتحار، وهي الفرضية التي يرفضها أهل وذوي الراحل، بل وقبيلته، جملة وتفصيلا، وذلك لما للانتحار من وصف شنيع في المجتمع الصحراوي..
“أنفاس بريس”، ضمن متابعتها الميدانية لهذه الواقعة، عنونت خبرها بعد ساعات قليلة من العثور عليه صبيحة يوم الاثنين 22 يوليوز 2019، بأن كل الاحتمالات واردة، من سقوط الراحل ضحية قتل عن طريق استدراجه لمسرح الجريمة، إلى الحديث عن انتحاره.. وهو الاحتمال الراجح بحكم عدد من القرائن التي بحثت فيها جريدة “أنفاس بريس”.
 
– هكذا بدأت القصة..
لنعد إلى مسرح الحادث وتوقيته ومكوناته.. الساعة التاسعة صباحا من يوم الاثنين 22 يوليوز 2019، بتجزئة الضحى، وعلى ضفة وادي الساقية الحمراء بالعيون، حلت عناصر الشرطة العلمية والتقنية رفقة ممثل النيابة العامة وعدد كبير من المسؤولين الأمنيين بالمنطقة، ووقفت سيارات الأمن قريبة من مسرح الحادث، جثة شخص في الخمسينيات من عمره، يرتدي قميصا وسروالا مرميا على ظهره، وجرح غائر على جنبه الأيسر، وعلى بعد أقل من متر من رجليه بندقية صيد مرمية، كان يستعملها الراحل في جولات القنص، وعلى بعد امتار قليلة كانت سيارة الخدمة متوقفة قرب الجثة؛ فالراحل كان يتولى، قيد حياته، قيادة الحكونية بإقليم طرفاية، ويقطن بمدينة العيون.
قامت الأجهزة الأمنية بعملها بالتقاط صور الحادث، وتم الحجز على البندقية ورفع البصمات عنها، وتم تفتيش السيارة، بل وفحصت آثار وجود سيارة أخرى، وآثار أرجل أخرى.. وقبل ذلك تم الاتصال بزوجة الراحل لإخبارها بوضعية زوجها. وبالموازاة مع نقل الجثة إلى المستشفى الجهوي بالعيون، قصد إخضاعها للتشريح الطبي الأولي، انتقلت عناصر أمنية نحو منزل الراحل لاستكمال البحث.
كان وقع الصدمة قويا على أسرة ولد الخطاط.. هذا الأخير، الذي تناول مع أسرته الصغيرة وجبة العشاء، تخللها كأس شاي على الطريقة الصحراوية.. ولأنه ليس أمرا مثيرا للانتباه أن يحرص الراحل على الجلوس مع كل أفراد أسرته تلك الليلة، فإن ما أثار انتباه زوجته، هو حرصه على توصيتها بالاعتناء بالأبناء، وتوصية أبنائه بالاعتناء ببعضهم البعض، “انت مسافر ومالك؟”، سألته زوجته، وهي تقلب كؤوس الشاي.. ليجيبها “الوصية ما تقتل ما تموت”؛ مستكملا سمره الليلي رفقة أسرته.. ويعلم الله وحده ماذا كان يدور بذهن الراحل.
 
– انطواء وعزلة..
الراحل، في الأيام الأخيرة من حياته، حسب مصادر عائلية، كان منطويا على نفسه، ويفضل الانعزال، وقليل الحديث مع أفراد أسرته من الزوجة الثانية المنحدرة من قبيلة العروسيين.. أما طليقته المنحدرة من قبيلة اركيبات، فكانت تعيش مع ابنهما الذي يدرس بجامعة ابن زهر.. وقد بدأت أعراض الانعزالية تظهر على الراحل منذ الأسبوع الثاني من يونيو 2019، عندما تم توقيف ابنه الطالب الجامعي وتقديمه للنيابة العامة بأكادير رفقة طالبة وطالب بتهم تتعلق بالاشتباه في تورطهم في قضية تتعلق بالحيازة والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية.. وهي الواقعة التي أكدها بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني، في حينها؛ إذ تم توقيف الطالبة العشرينية مباشرة بعد وصولها إلى مدينة أكادير قادمة من طنجة على متن حافلة للنقل العمومي، حيث تم العثور بحوزتها على 31 ألف قرص مهلوس، تتنوع ما بين الإكستازي والأقراص الطبية المخدرة، فضلا عن ضبط 100 غرام من مخدر الكوكايين.
وأضاف البلاغ أن عمليات البحث والتحري المنجزة في إطار هذه القضية مكنت من توقيف شخصين آخرين، من بينهما ابن رجل السلطة المتوفي، كانا قد حضرا إلى المحطة الطرقية بمدينة أكادير لتسلم الشحنات المضبوطة من المخدرات.
حاول القائد ولد الخطاط استعمال كل علاقاته الوظيفية والأسرية والقبلية كي يجد مخرجا لابنه، الذي كانت له عنده مرتبة خاصة؛ وفعلا وعده أحدهم بالتدخل لبحث المسألة، لكن هذا الأخير تراجع بسرعة لما اطلع على الملف، حيث كانت كل الأدلة والإثباتات، تشير إلى تورط المتهمين، ومن بينهم ابن القائد.. ورغم ذلك بذل الراحل كل ما في استطاعته لإنقاذ ابنه قبل النطق بالحكم، لكن اليوم الثاني من شهر يوليوز 2019، كان يوم صاعقة له، حيث قضت محكمة الاستئناف بأكادير بإدانة من اعتبرتهم عصابة إجرامية بـ 30 سنة سجنا نافذا، أي 10 سنوات لكل واحد منهم.
سقط الراحل مغشيا عليه من أثر الصدمة وهو يسترجع سنوات ابنه الذي كان يعتبره في مقام خليفة له، يحمل اسمه من بعده.. سقط، وسقطت مع كل أحلام رجل سلطة كان يأمل في أن يكون ابنه “وريثا” لتلك السلطة.. لقد وفر ولد الخطاط لابنه كل ظروف التحصيل العلمي، لكن الابن حرق مراحل الترقي الاجتماعي، سالكا طريقا أوصلته إلى غياهب السجون، وهو في مقتبل العمر.
بالحي المعروف بـ “84”، بالعيون، استكملت عناصر الشرطة العلمية والتقنية إجراءات البحث ورفع البصمات.. كل شيء ظل في مكانه ببيت الراحل: دولاب مفتوح، وحاملة الخراطيش.. وما أثار انتباه الشرطة تصريحات زوجته، التي قالت بأنها لم تشعر بنهوض زوجها قبيل فجر ذلك اليوم من سريره، وبأنها عثرت على مفاتيح المنزل الخاصة بزوجها معزولة عن مفتاح السيارة، وبأن يوم الحادثة كان يوم عمل وليس رحلة قنص..
 
– عصابة إجرامية..
حجزت عناصر الشرطة حاملة خراطيش القنص، بعد ان التقطت صورا لها، لمقارنتها بالخراطيش التي تم العثور عليها في مسرح الحادثة، وتمت الاستعانة أيضا بما تضمنته تسجيلات بعض كاميرات المحلات التجارية المحيطة بالحي السكني، لمعرفة إن كان الراحل خرج من بيته لوحده أم كان هناك شخص أو اكثر بانتظاره أمام البيت.. وقبل ذلك تم الاستماع لإفادات زوجته، إن كانت تشك في اي أحد، أو أن لزوجها عداوات مع أحد. والحال أن كل من يعرف الراحل ولد الخطاط يشهد له بالاستقامة وحسن المعاملة؛ وحتى إن كانت له عداوة أو خصومة، فهي أمر عادي، بحكم أنه رجل سلطة.. ولا يمكن أن تصل لحد القتل بتلك الطريقة.
خلال البحث الذي أجرته مصالح الأمن بالعيون، تحت إشراف النيابة العامة، تم وضع جميع الاحتمالات وتعميق البحث فيها، إلى درجة أنه تم الاستماع إلى إفادة الابن المعتقل بسجن أكادير، إن كان مقتل والده مرتبطا بتصفية حسابات مع عصابة وطنية أو دولية؛ وهو ما أنكره، لأنه في جميع الأحوال لن يعترف للشرطة بأنه يشتغل مع أفراد آخرين في الداخل أو الخارج.. لكن بالرجوع لطريقة عمل عصابات الإجرام، ومنها الاتجار في المخدرات، وخصوصا الصلبة، فهم يحاولون مكافأة من اعتقل منهم ولم يذكرهم في التحقيق؛ وابن الراحل تحمل لوحده مسؤولية تكوين عصابة إجرامية، ولم يكشف اسما خارج التركيبة الثلاثية المدانة بـ 30 سنة سجنا، مما يعني استبعاد أن يكون الأب راح ضحية انتقام من الجهة التي يشتغل معها الابن.
 
– أستسمحكم أسرتي..
رغم أن أقرباء الراحل حاولوا الترويج لاحتمال استدراج قريبهم المتوفي لحتفه، فإن ذلك -حسب مصادر جريدة “أنفاس بريس”-، يظل احتمالا ضئيلا، كون الراحل ليس شخصا عاديا، ولا يمكن بسهولة استدراجه إلى حتفه، ليبقى اصطحابه لسلاحه الخاص بالقنص، هادما لكل احتمال قتله من طرف شخص أو جهة ما.. كما أن الشرطة العلمية والتقنية، سيكون ضمن عملها التحقيقي الرجوع لبيانات مكالماته الهاتفية الأخيرة، ومعرفة هويات المتصلين به أو المتصل بهم..
وبغض الطرف عن السلاح الخاص به، ولنفترض جدلا أنه تم استدراجه لقتله؛ أليس من المفروض أن يكون من استدرجه على ثقة كبيرة وعالية به.. فأن يخرج الراحل من بيته قبيل صلاة الفجر، يفترض أن يكون على علاقة وطيدة وطيبة بمن “استدرجه”! ثم هل من استدرجه كان مستعجلا جدا للقضاء عليه، بل وأن يكون مسرح الحادثة على مرأى ومسمع المارة ذلك الصباح الباكر، وقريبا من حي سكني؟ المنطق يفترض بمن استدرجه أن يذهب به إلى مكان قصي، وتكون له فائدة يجنيها من هذا الاستدراج أو الاختطاف، ويوفر الوقت الكافي للهروب من جريمته؛ كما هو حال آخر جريمة قتل في رمضان الفائت التي راح ضحيتها رجل مسن يدعى الزروالي، اكتشفت جثته أياما بعد اختطافه بضواحي العيون، حاول خلالها الجناة إخفاء معالم جريمة السرقة والقتل.
والحال أن جثة الراحل كانت مرمية بالقرب من الوادي، وهو مكان مكشوف للساكنة والمارة.. فهل كانت نية الراحل وهو يوصي أسرته خيرا ببعضها البعض والخروج بشكل خفي، وفصل مفاتيح المنزل عن مفتاح السيارة، وقبل ذلك حمل سلاح القنص وخراطيشه هي (نيته) عدم العودة مجددا للبيت/ الحياة، ووضع حد لآلامه النفسية الحادة، وآماله المتكسرة؟ وهو بذلك اختار بعناية المكان المناسب لانتحاره، أي القريب من الساكنة حتى لا يظل أياما أو أسابيع قيد البحث، معرضا جثته للتلف بفعل عوامل الطبيعة أو عرضة للحيوانات المفترسة! وكأن لسان حاله يقول: “أستسمحكم أسرتي، اضطررت لهذا العمل الشنيع، ولأني أحبكم، اخترت هذا المكان لتجدوني بسرعة، ولم أختر الانتحار بالمنزل حتى لا أروعكم!”
وحتى من يتحدث عن عدم وضوح الصورة الكافية لقيام واقعة الانتحار، كون المنتحر دائما يصوب السلاح نحو رأسه أو قلبه، فإن إفادة أحد القناصين، وهو يتحدث لجريدة “أنفاس بريس”، متصفحا صورة المعني بالأمر وبجانبه بندقية الصيد، لم يستبعد احتمال واقعة الانتحار، من خلال تصويبها نحو الجنب الأيسر. ثم لماذا سيكتفي “القاتل” بإزهاق روح الضحية بطلقة واحدة!؟ ألم يكن أجدى به أن يطلق رصاصات عدة على رأس ضحيته، أو قلبه، وألا يغادر المكان حتى يتأكد فعلا من وفاة ضحيته؟
 
– طلقتان وليس أربعة..
اكتفى الراحل بطلقتين وليس أربع على جنبه الأيسر، وذلك حتى لا يثير انتباه الساكنة والمارة بصوت طلقات الرصاص؛ وهو ما أكده بعض الشهود الذين أفادوا بأنهم سمعوا إطلاق النار، لكن حسبوه ضمن عمليات قتل الكلاب الضالة، مؤكدين أنهم شاهدوا رجلا واقفا قرب سيارته..
لا يمكن الحسم في الجواب، مادام أن السبب لحد الساعة لم تحسمه أبحاث النيابة العامة، لكن من خلال استقراء الوقائع وبسط الحيثيات، يتبين أننا أمام حالة انتحار ستؤكدها أو تنفيها الأيام أو الأسابيع المقبلة، أو حتى السنوات المقبلة.. ومواراة جثمان الراحل الثرى لن يطوي الملف، خصوصا في ظل إصرار أسرته وقبيلته على دحض كل قرائن الانتحار، وتعميق البحث في فرضية تعرضه للاختطاف وتصفيته؛ ومع ذلك فهم لم يمتنعوا عن تسلم جثة قريبهم، بعد أن فحصها الطب الشرعي بأكادير، وإقامة صلاة الجنازة عليه، والدعاء له بالرحمة والمغفرة، والصبر والسلوان لأسرته وأقربائه. عن أنفاس أبريس

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة