السفير الليبي السابق يأسف على ذهاب ” شباب” ضحية الشعارات ولعبة المخابرات

قال محمد فال ولد القاضي الأمين العام لجمعية ذاكرة وعدالة : أن رجل المخابرات والسفير الليبي السابق محمد سعيد القشاط، يعد من بين الشخصيات الدبلوماسية التي لعبت دورا كبيرا في التغرير بمجموعة من الشباب الموريتانيين للالتحاق بجبهة البوليساريو والقتال في صفوفها على أساس أنها بؤرة الثورة في المغرب العربي،و قد استند ولد القاضي أحد أعضاء جمعية ذاكرة و عدالة في هذا على الكتاب الذي نشره السفير السابق،و حسب نفس المصدر الذي يعد أحد الموريتانيين الذين كانوا من بين ضحايا سجون البوليساريو،أنه بالرغم من أن القصة معروفة له باعتباره كان ضمن المجموعة التي خلفت هؤلاء الشباب في معتقلات البوليساريو الجهنمية ، إلا أنها (القصة) تشكل جزء من الصورة البشعة التي رسمتها قيادة البوليساريو للموريتانيين حتى الذين هبوا منهم لنصرتها إذ لم تكن المأساة التي تعرض لها هؤلاء ” السابقون ” تختلف كثيرا عما تعرضنا له نحن ” اللاحقون” حسب تعبيره سوى في تغيير الجهة التي صنفت كلتا المجموعتين كجواسيس لها ، فالمجموعة الأولى والتي سميت (مجموعة 1977) اتهم أفرادها بالجوسسة لصالح ليبيا حسب ما ورد في الكتاب (أنظر ص 326 من كتاب الأسراب الجانحة) ، بينما اتهمت المجموعة الثانية والتي سميت ( بمجموعة 1979) فقد اتهم أفرادها بالعمالة لموريتانيا وفرنسا ،
وفي نفس السياق يقول ولد القاضي أن الجملة التي أوردها هذا القشاط في كتابه بأنه يأسف فيها على ذهاب ” شبابنا ” ضحية الشعارات ولعبة المخابرات ، كما ذهب به التفكير إلى أن سبب عدم وفاء قيادة البوليساريو بالوعد الذي قطعته على نفسها من أجل تسوية ملف ضحاياها من الموريتانيين هو كوننا عملاء للمغرب حيث إستغراب محمد فال من هذا الأمر على إعتبار أن المجموعة التي هي موضع الاتهام الجديد القديم تنضوي تحت لواء جمعية مرخص لها رسميا بموريتانيا وقد عاد أغلب أعضائها مند ما يزيد على خمسة عشر سنة بعد أن أيقنوا من إفلاس تلك الأيام التي كانوا يحلمون بها بأن يرجعوا يوما إلى بلدهم مزهوين بالنصر الذي حققه إخوتهم وكان لهم دور فيه ، ولم تكن عودتهم إلى المغرب ، بالرغم من أن بعضهم بحكم مكان تواجده لا تكلفه تلك ” العودة ” أكثر من ساعة و ” بطاقة وطنية ” رسم عليها علم بأربعة ألوان ليصبح في عداد ” العائدين ” ومع ذلك فضل صيف موريتانيا وشظف العيش فيها على خريف ” العائدين ” الذي كان يومها ” عشينا ” في نظر الذين لا أراهم إلا داخل الطابور في انتظار دورهم للرعي في عشب خريف جديد بعد أن اجدب ” السابقون ” أرض الخريف الفائت،حسب تعبير عضو جمعية ذاكرة و عدالة الذي أضاف مغادرة مبعوث البوليساريو السيد محمد خداد لنواكشوط دون الوفاء بالوعود ـ حسب ما أخبر به الجمعية ـ المتعلقة بملف الضحايا ، وقد كنت متفائلا إلى أبعد الحدود في بحثي عن الأعذار للأخوة في الطرف الآخر ، وبنيت تفاؤلي على عدة عوامل أهمها أنهم هم المبادرين إلى التعبير عن رغبتهم في طي هذا الملف حسب الوسطاء الذين كان من بينهم حتى وزراء في حكومتهم والذين تحتفظ الجمعية بحقها في الكشف عن رسائلهم وبعض الأدلة المتعلقة بالموضوع ، وهناك عامل آخر كنا نراه كجمعية عاملا يدفعنا إلى التفاؤل أكثر وهو أنهم أخبرونا بأن السيد أمحمد خداد هو من تولى الملف مما خلق لدينا انطباعا جيدا بأن المسالة جادة لما نعرفه عن الرجل من بعده عن المشاركة في المأساة التي عشناها في المعتقلات هناك.
وبالرغم مما آلت إليه الأمور من تراجع في آخر لحظة وتصنيف قضيتنا على أنها مؤامرة مغربية ، فإنني لم أستطع إلا أن أتذكر موقفا إنسانيا لهذا السيد معي في يوم من الأيام في وقت كان مجرد الظهور في مجلس يضم أحدنا يعتبر مثارا للشبهة ، فبعد خروجي من السجن ظللت أتعرض لضغط لا يقل في قساوته عن ضغط السجن نفسه فقلما يمر يوم دون أن أتعرض لتهديد جديد بإرجاعي إلى القبر بذريعة اتهامات جديدة ما أنزل الله بها من سلطان ، إلى درجة أني لم أعد أرغب حتى في الحياة ، فاقترح علي أحد الأصدقاء مشكورا أن أشكو الذين يضايقونني إلى السيد أمحمد خداد لأنهم تابعون له وكان ذلك بعد تقلده مهام مدير الأمن بقليل ، وكانت تلك مناسبة لأن أسمع ولأول مرة من أحد مسؤولي البوليساريو يسألني عن المظالم التي تعرضت لها طيلة تلك السنين التي قضيتها أكدح من أجل قضية كنت أعتبرها قضيتي قبل أن أخوّن أنا وأمثالي ونوسم بوسم العمالة ، وكان كل همي أن أجد من يدلني على طريق العودة إلى وطني (موريتانيا) وليس أي وطن ثاني بعد أن أودع إخوتي وإخواني وهم عائدون منتصرين إلى ديارهم،لكل ذلك صدمت للتصنيف الذي يصنفنا به بعد كل هذه السنين بأننا عملاء للمغرب ، لأجد نفسي أمام الصورة الكاملة التي يبدو أن قيادة البوليساريو تريد أن تلصقها بكل موريتاني كان يرى هذه القيادة مثله الأعلى قبل أن تريه هي أنه كان يراها من خلال مرآة محدبة لا تعكس الأشياء على حقيقتها ، وأن تلك الصورة ليست سوى تلخيص النظرة الدونية التي ينظر بها بعض أعضاء تلك القيادة لموريتانيا والموريتانيين ، أما نحن الضحايا فلسنا سوى جواسيس إلى يوم القيامة.
ويضيف ولد القاضي قاىلا : قد تذكرت أن أحدهم ـ ولم يكن من دول المغرب العربي الخمسة القائمة حاليا ـ قال لي ذات مرة ورائحة القبلية تفوح من كلامه بأن الشهيد الولي لم يعمل لصالح الصحراويين وأضاف بخبث (هو كاع موريتاني من أهل ازويرات) ولأني بالفعل كنت ولا زلت أفخر بأن يكون الشهيد الولي موريتانيا بغض النظر عن حقائق التاريخ والجغرافيا، فقد تمنيت أن يكون هذا التزييف حقيقة، لأن ما عرفته ـ ولو منقولا ـ عن حياة الرجل وأخلاقه كافيا ليمنع ـ لو كان حيا ـ ما تعرض له أبرياء من بني جلدته هبوا لنجدة من مات هو في سبيلهم، ولقد خرجت من ذلك الحديث باستنتاج مزعج هو أن لعبة الاتهامات التي كنا يوما ضحيتها صارت في طريقها لتشمل هامات ظلت شامخة حتى وهي في القبر، والله وحده يعلم من هو الرابح من خلط الأوراق .
إننا بالقدر الذي نحترم فيه أراء بعض قيادة البوليساريو فينا وحتى الذين كنا نتوقع منهم أن يكونوا قد تجاوزوا في أحكامهم المفتعلة (حتى لا أقول المسبقة) علينا مرحلة الثمانينات بما حملته لنا من آلام وأحزان ، فإننا نحترم أنفسنا من خلال التشبث بحقنا والمطالبة به حتى النهاية و نعتقد أنه لا يمكن إبطاله بتوزيع الاتهامات التي تبت زيفها ، وهنا نعطي لأنفسنا الحق في سؤال السيد أمحمد خداد الذي نحترمه كثيرا (دون مجاملة) والذي علل عدم السير في التعاطي معنا بأننا متآمرون مع المغرب و في هذا الإطار وضع محمد فال ولد القاضي مجموعة من الأسئلة التالية :
منها : هل هناك دليل على هذا الاتهام ؟ أم أنه حنين إلى تلك الأيام التي نبرئه منها والتي كانت أدلة الاتهام فيها تصبح جاهزة بمجرد أن يؤخذ الضحية ليلا من على سريره ويرمى بعد ساعات في حفرة من حفر معتقل ” الرشيد ” ؟ .
و إذا كنا نتآمر مع المغرب ضدكم فهل ذلك يبطل حقنا في المطالبة بالتحقيق في جرائم لا تسقط حتى بالتقادم ؟ أم انه يجب أن نعادي المغرب حتى تسقطوا عنا تهمة العمالة والمؤامرة ؟ وإذا كان هذا هو شرطكم فلتقنعونا بأن جلادي المغرب هم من زج بنا في معتقل الرشيد و 12 أكتوبر وقتلوا إخواننا لإشباع ساديتهم ! أخشى أن يأتي اليوم الذي تتهموننا فيه بالعمالة لكوبا أو نيكراغوا أو حتى جزر الواق واق … !
وختاما أقول لكل الذين أمعنوا في إذلالنا وتعذيبنا بالأمس ويمعنون اليوم في تجريمنا في محاولة للهروب من مسؤولياتهم بأننا باقون والسبيل إلى إسكاتنا سوى تحقيق العدالة.
كما أقول لكل الذين واللواتي وجدنا فيهم الإخوة والأخوات من الصحراويين الشرفاء بأننا سنكون أول من يلملم الأشلاء المتبقية منه ويقف في أول الطابور ويذوب قبلهم من اجل أي هدف اتفقوا عليه ولن نطالب كما لم نطالب من قبل بنصيب من “الغنيمة.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة