كلمة إيمان المالكي(مكلفة بالتواصل لديوان الرئيس الأول لمحكمة النقض بالرباط) بمناسبة تظاهرة نادي الصحافة بالجنوب

بكل اعتزاز وتقدير أتشرف بالمشاركة معكم اليوم في هذا المنتدى الدولي المتميز الدي يتناول موضوعا ذي مضامين دستورية وقانونية ومهنية متعددة وأبعادا اجتماعية وثقافية واقتصادية كبرى، ويثير العديد من الإشكاليات المرتبطة بالوظائف الجديدة للعمل الاعلامي في بعده القاري. منتدى ينعقد في سياق خاص وظرفية دقيقة تفرض على جميع الفاعلين في حقل الإعلام و التواصل التفكير العميق من أجل رسم معالم مستقبل أفضل، يستجيب لطموحات أوطاننا ولتطلعات شعوبنا المشروعة.
واسمحوا لي أن أغتنم هذه المناسبة لأعبر عن شكري و امتناني لكل من فكر واعد ونظم محاور وفعاليات هذا الحدث الهام وأخص هنا بالشكر والثناء السيد رئيس نادي الصحافة بالصحراء وكل أعضائه المحترمين الذين عبروا من خلال هذا النشاط العلمي على أهمية الأدوار الوطنية المسؤولة التي يمكن أن تؤديها الوظيفة التواصلية دفاعا عن صورة قارتنا في عمقها الانساني و الحضاري و التاريخي وصونا لكرامة شعوبها وتكريسا للثقة في مستقبلها الواعد.
والشكر موصول لجميع المشاركين من كل الدول الافريقية الشقيقة و الصديقة الذين سيغنون بكل تأكيد هذا اللقاء بتصورات ورؤى جديدة ستفتح لنا اليوم بمدينة كلميم، باب الصحراء ارض الحضارات على امتداد التاريخ و ملتقى القوافل القادمة من جميع ربوع أفريقيا. ،أفاقا رحبة للتفكير والاقتراح والمناقشة.
فهنيئا لكم جميعها بهذا اللقاء العلمي المهني الهام وكل متمنياتي لأشغالكم بالتوفيق والنجاح.
حضرات السيدات والسادة،
تمر إفريقيا اليوم بمرحلة حاسمة، تتسم بتعدد أبعاد ما تشهده من تحولات ترسم معالم قارة المستقبل، وتنأى بها تدريجياً عن كل التصورات النمطية والصور السلبية المغلوطة، التي ظلت لصيقة بها. ويعتبر المغرب من البلدان الإفريقية التي يحدوها طموح كبير وإرادة أكيدة، لتمكين إفريقيا من تولي زمام أمورها والتحكم في مصيرها. لذلك، فليس من قبيل المصادفة أن يجعل المغرب من التعاون جنوب -جنوب رافعة لانبثاق إفريقيا جديدة واثقة من قدراتها ومتطلعة إلى المستقبل. هدا التوجه يستمد أساسه من ارادة ملكية سامية والتزام دستوري ضُمِّن في الوثيقة المرجعية الأسمى للمملكة، التي يلتزم فيها المغرب بـ “تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء، وتقوية التعاون جنوب-جنوب”.
و وفاءا منها لهده المرجعية، جعلت محكمة النقض من التعاون مع البلدان الافريقية محور مخططاتها الاستراتيجية. حيث طوّرت نموذجاً مبتكراً حقيقياً للتعاون القضائي الدولي، باعتباره شكلا من أشكال الشراكة النموذجية مع دول القارة الإفريقية، قوامه تقاسم المعارف والكفاءات والخبرات والموارد، مع إشراك كافة الفاعلين في منظومة العدالة والقطاعات ذات الصلة.
وقد تمكنت المحكمة من اكتساب خبرات تحظى بالاعتراف والتقدير على الصعيد الإفريقي و الدولي، سواء في المجالات المرتبطة بنقل تكنولوجيات المحاكم، تبادل الاجتهاد القضائي أو تقاسم المعارف، أو إقامة شراكات في مجال التكوين الاساسي و المستمر.
فعلى مدى العشر سنوات الاخيرة عمدت محكمة النقض الى ابرام مجموعة من اتفاقيات الشراكة و التعاون مع مجموعة من الدول الإفريقية من بينها بوركينافاسو، الكابون، السنغال، البنين ،السودان و مصر، شراكات تشد المغرب بقوة إلى قارة شاركته وتشارك معها المصير المشترك . شراكات مبنية على قيم ثقافية واحدة وعلى علاقات روحية عميقة.
هي مواكبة متميزة للنمودج التنموي الإفريقي من منظور قانوني قضائي ،حقوقي و تشريعي يرصد الممارسات الفضلى للتعاون القضائي جنوب-جنوب المبنية على تحقيق تنمية بشرية متوازنة ومستدامة سمتها البارزة تبادل التجارب والخبرات في كل ما يتعلق بالقدرات المؤسساتية والحكامة القضائية وتأهيل الموارد البشرية، وتعزيز برامج التكوين المستمر و استكمال الخبرات وكذا إنعاش تبادل الزيارات و الوفود و الاستشارات.
شراكة تدافع عن اندماج إقليمي إفريقي حقيقي في أكثر من جهة و على أكثر من مستوى، من أجل استغلال الممارسات الفضلى واستثمار عناصر التكامل بين الأنظمة القضائية و انتهاج مقاربة شاملة ومندمجة تساهم في خلق فضاء مشترك يشكل حلقة وصل بين إفريقيا والعالم عبر تكثيف المبادلات القضائية و القانونية و الحقوقية و التشريعية و الثقافية والإنسانية.

أما على المستوى الاستراتيجي، فإن الدفاع عن مغربية صحرائنا، ظل قضيتنا المقدسة، في إطار دبلوماسية قضائية متكاملة و منسجمة مع السياسات الوطنية و التي تستوجب التحرك الفعال والموصول، في كافة الجبهات والمحافل، المحلية والجهوية والدولية، لإحباط المناورات اليائسة لخصوم وحدتنا الترابية. و الأمثلة متعددة بهدا الخصوص . فعلى سبيل المثال أقامت محكمة النقض على هامش أشغال المؤتمر الدولي الأول حول العدالة ( ما بين 2 و4 أبريل الجاري)، معرض للذاكرة القضائية لاطلاع ضيوف المغرب من سياسيين وقضاة وحقوقيين ومهنيين على مجموعة من الشواهد والوثائق والمخطوطات التي تؤكد على عراقة المغرب وأصالته وتؤكد بالخصوص على وحدة المملكة من خلال قضائها.
وتضمن هذا المعرض، المنظم من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وثائق وحجج قانونية وقضائية تاريخية دامغة تجسد فعلا ارتباط جنوب المغرب بشماله ووسطه في توليفة قانونية وقضائية موحدة، تشمل وثائق للبيعة وأحكام قضائية صادرة بالصحراء جنوب المغرب لها مئات السنين تؤكد على عمق العلاقة والعناية التي أولاها السلاطين والملوك المغاربة بأسرة القضاء.
وارتباطا بتفعيل الدبلوماسية القضائية في التعريف بقضية الوحدة الترابية للمملكة، عقد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، السيد مصطفى فارس، لقاءات وجلسات مع مختلف الوفود الدولية المشاركة في المؤتمر الدولي الأول حول العدالة، حيث قدم لهم شروحات وايضاحات حول مؤلف “وحدة المملكة من خلال القضاء” الذي أصدرته محكمة النقض وتمت ترجمته إلى اللغات الانجليزية والفرنسية والاسبانية.
ويعد هذا الإصدار ثمرة للندوة الدولية الكبرى التي سبق أن نظمتها محكمة النقض وساهم في إنجازها وتأطيرها عدد من الدبلوماسيين والمفكرين وأعلام التاريخ والفقه والقانون الذين أبرزوا بالحجة والبرهان كل المؤشرات والشواهد على وحدة المملكة وعدالة قضية الصحراء المغربية.
و قد خلف هدا الحدث صدا طيبا من خلال وسائل الاعلام الوطنية و الدولية حيث أوردت وكالة الأنباء الآسيوية الهندية (أيانس)،أن المغرب يعد بوابة العالم للتواصل مع إفريقيا واستكشاف المشاريع وفرص الاستثمار التي توفرها القارة.

الحضور الكريم؛
لقد سطرت الاستراتيجية التواصلية لمحكمة النقض عددا من التدابير من أجل تعزيز آليات التواصل الخارجي بدعم التجربة الرائدة المتفردة التي أسست لها وهي مؤسسة ” قاض مكلف بالتواصل و الاعلام وتقوية المحتوى التواصلي بالنشر الإلكتروني، وتطوير علاقات التواصل والانفتاح مع المنابر الاعلامية والفضائيات ووكالات الأنباء، والسعي إلى اشراك أكبر عدد ممكن منها في أنشطتها و في التظاهرات التي تحتضنها.

و وفضلا عن ذلك وبغرض تقوية المواكبة الإعلامية لمؤشرات الأداء القضائي تم إرساء مواعيد منتظمة للتواصل مع الصحافة فافتتاح السنة القضائية مثلا موعد سنوي بارز يتم وفق تقاليد قضائية راسخة ،يشارك فيه ممثلون عن مختلف المنابر الإعلامية الوطنية و الدولية. تقليد سنوي راسخ لتقييم المنجزات و الإصلاحات، والمبادرات التنموية، واستشراف الآفاق المستقبلية الواعدة.
ولعل المدخل الأساسي لهذا الحضور هو الانفتاح و تغيير العقليات لتستوعب المستجدات بعيدا عن خطاب التشكيك والتبخيس والتحلي بالموضوعية والانكباب على العمل بروح الفريق كل من موقعه ومسؤولياته واختصاصاته لفتح حوار مؤسساتي صريح و شفاف، ومناقشة مختلف الأفكار والتصورات، بكل مسؤولية والتزام، من أجل بلورة إجابات واضحة، لكل القضايا والانشغالات.

كما عملت المحكمة، في إطار المقاربة التشاركية، على تقوية آليات الرصد الإخباري والتفاعل مع الصحافة الوطنية و الأجنبية والإسهام في إشعاع صورة القضاء المغربي إعلاميا في الخارج وتقوية الحضور الإلكتروني المؤسساتي وتوفير المعلومة القضائية الموثوق بها والعاكسة لحقيقة ما يجري ببلادنا.
والإسهام في الحفاظ على الذاكرة القضائية و الموروث القضائي للمملكة.
كما تم وضع دليل التواصل القضائي وتقديم الدعم والمواكبة في التدبير الإعلامي للمؤتمرات والتظاهرات القانونية و القضائية وإعداد برامج تكوين خاصة لفائدة الصحفيين و فتح نوافذ للتفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وإطلاق نسخ لموقع الإنترنت خاصة بالأجهزة الذكية والمحمولة. وكدا تأهيل فضاء الاستقبال و توضيب استوديو لقناة محكمة النقض الرقمية واعتماد نظام معلوماتي للتدبير الوثائقي للأرشيف بالاضافة الى ترجمة النصوص القانونية و الاجتهادات القضائية والإصدارات و تأهيل فضاء التوثيق والمكتبة الدي يراوده يوميا العديد من الطلبة و الباحثين من داخل المغرب و خارجه بالمحكمة .

لقد أثبتت المقاربة القضائية نجاعتها في تقديم صورة للمغرب في بعده الجهوي و القاري للخارج، صورة تعكس حقيقة نوعية الحراك الإصلاحي المتفاعل داخله، وتترجم حقيقة النموذج القضائي الآخذ في التبلور بشكل متصاعد ومتدرج.
صورة رسم معالمها الحضور المتميز لثلة من صفوة القضاة المغاربة و مشاركتهم الوازنة والفعالة في العديد من المؤتمرات الدولية كالمؤتمر الدولي حول المناخ والبيئة COP22 بمراكش من خلال استعراض أهم الاجتهادات القضائية المتعلقة بالأمن البيئي تمت ترجمتها إلى ثالثة لغات ولقيت اهتماما كبيرا من طرف الفعاليات الدولية والوطنية. المؤتمر الثامن لرؤساء المحاكم العليا العربية بموريتانيا. المؤتمر الأول للمحاكم العليا الإفريقية بالسودان. المؤتمر الثامن لجمعية المحاكم العليا للدول المستعملة للغة الفرنسية بالبنين…و الامثلة عديدة.
عمل دؤوب والتزام كبير نابع من الضمير المسؤول الذي أكد عليه جلالة الملك محمد السادس دام له العز والتمكين في عدد من خطبه السامية.

الحضور الكريم،

لا جدال في أنه لا يمكن لأي مؤسسة كيفما كانت أن تنتقل، بين عشية وضحاها، من رؤية إلى أخرى، دون استثمار التطورات الإيجابية التي راكمتها عبر تاريخها. كما أن اللحاق بركب الأنظمة القضائية المتطورة لن يتم إلا بمواصلة تحسين مناخ الأعمال، ولاسيما من خلال المضي قدما في إصلاح القضاء والإدارة، ومحاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة. و القضاة يستشعرون عظم الامانة و جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم.

والسلطة القضائية اليوم والتي تتشرف برئاسة جلالة الملك محمد السادس نصره الله لمجلسها الأعلى بذلت طيلة هذه السنة مجهودات كبرى من أجل التأسيس لبنية هيكلية وأيضا لقيم كبرى ولممارسات فضلى مرتكزة على مقاربة متكاملة ورؤية إصلاحية أساسها الانفتاح والتواصل والتخليق وفق معايير دولية مستهدفين من كل هذا تكريس الثقة لدى الجميع. الثقة الموطدة للأمن القضائي والمحرك الأساس لكل إصلاح تنموي

حضرات السيدات والسادة،
إن الانتظارات متعددة والاستحقاقات كبرى تلزمنا بمزيد من العمل الدؤوب وفق رؤية استراتيجية دقيقة واضحة يساهم فيها الجميع بكل وطنية ومسؤولية وضمير.
كما أن حجم التحديات يفرض علينا الانخراط جميعا وبقوة من أجل إضفاء قيمة مضافة والمساهمة في نشر السلم والسلام داخل الفضاء المشترك الذي نعيش فيه، في إطار الاحترام التام لسيادة كل بلد ووحدته الوطنية والترابية.

غير ان مسار الارتقاء الطوعي بالتعاون الإفريقي-الإفريقي وتشجيع الاندماج الإقليمي في قارتنا يجب أن يواكبه تواصل مكثف نزيه و شفاف من خلال إعلام مسؤول هدفه الأسمى تنوير الرأي العام وتحصينه من الوقوع في المغالطات و تصديق الشائعات.
و يبقى هدا المنتدى فرصة ثمينة لتقييم الأشواط التي تم قطعها إلى حد الآن وإعادة توجيه دفة التعاون الاعلامي الإفريقي ، على ضوء الرهانات الإقليمية والعالمية الطارئة، وذلك من منطلق الحرص على الاستثمار الأفضل للمقومات التي تزخر بها بلداننا والاستخدام الأمثل لآليات اشتغالها، مقومات ستمكن من تحقيق إشعاع قاري يواكب النمودج التنموي الإفريقي الجديد الذي وضع لبناته الأساسية بكل حكمة و تبصر جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده وفق منهج شامل ومندمج، مبني على مبدأ التضامن.
ونحن لن نذخر جهدا حتى نكون في مستوى الرعاية الملكية السامية التي يوليها لأسرة العدالة والقضاء، ونحقق ما يطمح له جلالته لوطنه و لقارته من عزة وسمو وتميز سائلين العلي القدير أن يحفظ ملكنا ويسدد خطاه وان يوفقنا لما يحبه ويرضاه انه ولي ذلك والقادر عليه.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة