حديث الصورة

طالما فكر المخرجون السينمائيون في أخذ صورة يجتمع فيها الليل والنهار، والظلام والنور، والباطل والحق، للحصول على انبهار المشاهدين وأخذهم إلى أبعد مكان للاستمتاع بالخيال العلمي وتقديم الإعجاب والتقدير الكبيرين للمخرج الذي استطاع أن يزاوج بين مظهرين متناقضين يتأكد بلا أي لبس وعلى ضوء المقارنة بينهما شكل الحق في أبهى صوره وشكل الباطل في أحقر مظاهره. وهذا أمر لا يحدث إلا في فرص نادرة مع مخرجين بارعين.
مثل هذه الفرصة، منحها جلالة الملك محمد السادس للمؤرخين السياسيين، عندما بدأ خطوة العودة إلى البيت الإفريقي بداية العام الجاري، وهو البيت ذاته الذي تحتل فيه ما تسمى خيالا بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية”، مقعدا إلى جانب الدول الإفريقية الأخرى منذ أن تواطأ قادة أفارقة على المغرب قبل 34 سنة في أديس أبابا ومنحوا الجمهورية الوهمية مقعدا بينهم ما جعل المغرب ينسحب من منظمة الوحدة الإفريقية.
ما أن كادت السنة تمر على عودة المغرب إلى البيت الإفريقي حتى ظهر جلالة الملك تحت قبة البيت نفسه، وفي صورة واحدة مع زعيم الجمهورية الخيالية. وهو أمر لا يحتمل التفسير في اعتقاد زعيم الجمهورية الخيالية سوى أن “ملك المغرب ربما اقترب من الاعتراف بجمهوريته”، وهي قراءة يمني بها أنصار الجمهورية الوهمية أنفسهم، وخطاب يروج له أعداء المغرب للنيل من انتصاره الديبلوماسي إثر عودته إلى الاتحاد الإفريقي واحتجاز مقعد قيادي استثنائي في القارة الإفريقية.
لكن هل اعتقادهم وقراءتهم هي الحقيقة؟ وهل فعلا يعتبر ظهور ملك المغرب في صورة مشتركة مع زعيم الجمهورية الخيالية تنازلا مغربيا عن لا شرعية الجمهورية الوهمية؟
قراءة الصورة لا تحتمل وجهان، فهي إما أن تكون كما يعتقد زعيم الجمهورية الخيالية وأنصاره ويفسرون من خلالها الموقف لصالحهم، أو أنها موقف آخر يظهر من خلالها صغر حجم الكويكب أمام هالة النجم الذي يضئ ما حوله من كواكب، وموقف جديد يتبدد فيه الظلام بإقبال النهار، ويزهق الباطل بإحقاق الحق.
تمعنت في الصورة التي وقف فيها قادة الاتحاد الإفريقي ليوم الأربعاء 29 نونبر 2017 بمناسبة القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي – الاتحاد الأوروبي، يتقدمهم ويتوسطهم ملك المغرب محمد السادس وإلى جواره الرئيس الفرنسي وقادة دول إفريقية وأوربية في الصف الأول، وبقية بقية القادة في الصفوف الخلفية.
لست خبيرا بما يكفي لقراءة صورة تذكارية لقادة الدول في ملتقى سياسي أخذت لهم، ولا يساور أحد الشك بأن الصورة الجماعية للقادة في القمة الخامسة الإفريقية الأوروبية التقطت بناء على قواعد البروتوكول التي جرى الترتيب لها سلفا. وهو ما يظهر المكانة التي يحظى به ملك المغرب لدى الاتحادين الإفريقي والأوروبي، وهذا ليس أمر من فراغ بل هو نتيجة عمل كبير قام ويقوم به المغرب لدى القارتين الإفريقية والأوروبية، فهو يحمل “النموذج الأمل” لتجاوز حالة الضعف الإقليمي والدولي في مواجهة الإرهاب والتطرف والركود والانفصال، مقدما نموذجا حقيقيا للتعاون والبناء في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية.
هكذا ينظر القادة الأفارقة والأوروبيون إلى المغرب وإلى ملكه، ولا يمكن أن يمنحوا النظرة نفسها لزعيم الجمهورية الخيالية، التي لم يسعد أمثالها من الكاطلان في إسبانيا ولا الأكراد في العراق بتحقيق أملهم في الانفصال، حيث جوبهوا بلا هوادة برفض وطني وإقليمي ودولي، ووقع العالم بأسره شهادة الوفاة لأطروحة الانفصال التي من عنوانها يظهر الخراب والدمار والفقر والتطرف.
كانت فديريكا موغيريني الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية محقة حينما أعلنت قبيل انعقاد القمة الإفريقية الأوروبية في أبيدجان أن “مشاركة الاتحاد الأوروبي في القمة التي تشارك فيها جبهة البوليسارو لا يغير من الأمر الواقع شيئا”، فالاتحاد لا يعترف بقيام الدولة الصحراوية. وأثنت المسؤولة الأوربية على دور المغرب في استتباب الأمن ودعم الاستقرار في المنطقة وأشادت بنموذجه التنموي.
وقوف جلالة الملك محمد السادس في مقدمة الصف يتوسط القادة الأفارقة والأوربيين هو تعبير عن مكانة المغرب في العلاقات الإفريقية الأوربية (شمال -جنوب). وتعبير أكثر دقة عن أهمية المغربي بالنسبة لأصحاب البيت الإفريقي (جنوب – جنوب) فجلالته أخذ المكان الطبيعي الذي يليق بالمغرب.
تبقى في الأخير نظرة زعيم الجمهورية الوهمية إلى جلالة الملك محمد السادس لحظة التقاط الصورة أكبر دليل على الحجم الكبير للحضور المغربي الذي لم يألفه سلفا، ولا يساور الخبراء في قراءة تقاسيم الوجه وتحليل مضمون النظرات أن زعيم الجمهورية الوهمية شعر بأن الأرضية التي يقف عليها هشة إلى حد الخوف من الانهيار، وهو ما قاده إلى البقاء مشدوها بنظرته إلى ملك المغرب في الوقت الذي كان الجميع ينظر إلى آلة التصوير التي أخذت لهم تلك اللقطة التذكارية التاريخية. عبد الهادي مزراري

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة