حزب الاستقلال .. كرسي تحت كرسي فوق

تتبعنا أخبار السياسة في بلادنا وقرأنا كما سمعنا وشاهدنا من هنا وهناك أخبارا عن الدخول المدرسي والدخول السياسي والخروج الاقتصادي والصعود الإجرامي والنزول الأخلاقي، ولم يكن هناك ما يستدعي الاهتمام، لأن كل ما تعودنا عليه هو كلام وزور وبهتان وفضائح وتبادل للتهم.

لكن ما جعلنا نشعر بتناول المطبوخ الخارج عن المألوف، هو حفل العشاء المثير للجدل الذي جمع مناضلي ومناضلات حزب الاستقلال على هامش مؤتمرهم الوطني الذي تعلق عليه الآمال لانتخاب أمين عام جديد، فانطلق المؤتمرون الاستقلاليون المدعوون لحفل العشاء في تبادل السب والشتم والضرب واستعملت الصحون والكؤوس ولوازم الأكل في القصف والقصف المضاد، ورفعت الكراسي من تحت الأدبار ونزلت فوق الرؤوس في حرب ضروس.

كرسي تحت كرسي فوق، إنها الحرب من أجل الكرسي، كل يريد أن يقعد مولاه فوق كرسي الحزب. ونظرا للحمية الحزبية والعصبية المذهبية ثار غضب المناصرين لهذا وذاك وأبى الجمع أن ينفض قبل افتضاض بكارة الحزب الذي ظل على مر عقود يقدم الدروس في العذرية السياسية.

بكل صراحة، وخلافا لكل الآراء التي تعبر عن امتعاضها من هذا الحدث وتتأسف بشأنه، لا بد أن نعتبره ظاهرة صحية تستحق التشجيع، ومحاسنها كثيرة لا تعد ولا تحصى، فهي توضح لنا أن هناك اختلافات في الرأي والمواقف والانتماءات والولاءات، والأهم في كل هذا أن المياه ليست راكدة، كما يكشف لنا الشغب في حفل عشاء الاستقلاليين أن هناك رفض لإنزال الأمين العام فوق كرسي الحزب بالمظلة من طائرة مجهولة تعبر سماء الحزب، وأيضا توضح لنا أسلوب النقاش داخل الأحزاب المغربية عندما تشحن الأجواء بالأفكار النارية والمواقف المضادة.

فائدة أخرى ليس بعدها فائدة، وهي أن معركة عشاء الاستقلاليين والاستقلاليات أكدت استقلالية الحزب وقدرة أطره على تبادل السب والشتم والعراك بكل حرية، فالويل والثبور لكل من يزعم أن الأحزاب عندنا ليست مستقلة، فهي ممتلئة بالطاقات النضالية والكفاءات المصلحة التي تحارب الفساد سواء كانت في السلطة أو في المعارضة.

إنهم مستعدون لمحاربة الفساد حتى لو تطلب الأمر التخلي عن الكراسي وتكسيرها فوق الرؤوس، ومستعدون لأكثر من ذلك لقلب الطاولة وتكسيرها ما دامت الصحون فارغة وهناك خلاف حول ما يوجد للاقتسام والأكل.

لا شك أن مؤسسي حزب الاستقلال الذين انتقلوا إلى الرفيق الأعلى تقلبوا ليل الجمعة في قبورهم، أسفا على ما وصل إليه الحزب في زمن “المنادلين”، ومع ذلك تعتبر معركة عشاء الاستقلال مهمة ومفيدة لنا كشعب لنتيقن من مستوى أحزابنا السياسية، فالاستقلاليون الذين تعاركوا بالصحون والكراسي، لم يفعلوا شيئا سوى أنهم تفاعلوا مع الخطاب الملكي الذي دعا المفسدين لتقديم الاستقالة، وقدموا استقالة حزب الاستقلال من السياسة بطريقتهم الخاصة، طبعا لكل طريقته، والعقبى للأحزاب الأخرى. إن الشعب بحاجة إلى ما هو الجديد حتى إن كان الجديد فرجة مثل تلك التي استمتع بها المغاربة عبر تناقل مباراة العشاء الاستقلالي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف النقالة.

ملاحظة: لا يحق لأي حزب آخر أن يشمت في حزب الاستقلال فحاله ليس أفضل

 

بقلم: عبد الهادي مزراري

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة