حكايات من مأساة المختطفين الموريتانيين.. سيد أحمد آشليشل )حلم يتحول كابوسا(

محمد سالم الشافعي/ عبد الكبير اخشيشن

يقول سيد أحمد آشليشل، وهو يتهكم على نفسه: «منذ تم اعتقالي يوم العاشر من مايو 1983 وأنا أحاول أن أقنع نفسي بأن ما حدث مجرد خطأ أدى إلى الاشتباه بي وبمن سبقوني، وأن الأمر لن يتجاوز عدة أيام من أجل التحقق وسيتضح أننا أبرياء ويعود كل شيء كما كان وإن كنت قد صدمت من الاستقبال، الذي حظيت به في الليلة الأولى والذي بدأ بتجريدي من الملابس وضربي على المعدة حتى فقدت الوعي تماما لمجرد أنني سألت الجلاد الذي أمرني بخلع ملابسي عما إذا كان يريدني أن أخلع الداخلي منها أيضا، ومع كل يوم يمر كنت أرى حلمي بالعودة سريعا يتلاشى، ويتحول إلى كابوس مخيف بفعل التهم الخطيرة التي تم توجيهها لي ووقعت عليها على وقع صوت السياط وهي ترتع فوق ظهري.
سئل سيد أحمد ذات يوم بعد خروجه من السجن وعودته إلى الوطن عن أقسى موقف تعرض له في معتقلات البوليساريو، فرد متهكما بأن أفظع ما كان يتعرض له هو أن الجلادين كل عطلة أسبوع يحضرون له خروفا مشويا مغمورا في السمن (الدهن) ويجبرونه على تناوله، ومن المؤلم والمضحك في الوقت نفسه أن السائل صدق الجواب وبثه في وسطه العائلي وهو لا يدري قصة سيد أحمد الحقيقة مع الطعام و«الخراف المشوية»، ذلك أنه كان يقبع في الزنزانة رقم (1) التي تقع بالقرب من قاعة التعذيب المخيفة إلا أنه كانت لها إيجابية في مكان كله سلبيات فصاحبها هو أول من ينادى عليه وقت توزيع ما يطلق عليه مجازا الطعام.
وكان يوضع في براميل وسط الساحة ثم ينادي أحد الجلادين على المعتقلين بأرقام زنازينهم وعلى من نودي عليه أن يأتي جريا ويغرف غرفة واحدة بإنائه الصغير في وقت تلعب السياط في ظهره، وبهذا الترتيب كان سيد أحمد محظوظا لأنه يغرف من البرميل وهو ما يزال ممتلئا. غير أنه في أحد الأيام بدأ النداء بالأرقام تنازليا فكان آخر من نودي عليه ولم يجد في البرميل سوى حبات قليلة من الأرز فبدأ جمعها بسرعة وهو يحاول أن لا تفلت منه حبة فسأله الجلاد الواقف عليه إن كان يريد الزيادة وما كاد يرد عليه بالإيجاب حتى ركله ركلة أوقعته عند بوابة زنزانته وهو يمسك بكل قوته بالإناء حتى لا تتطاير منه تلك الحبات التي هي كل أمله من أجل إطفاء نار الجوع المستعرة في معدته منذ خمسة أيام من العقاب بمنع الطعام عنه، ولم تغادره وهو في ذلك الوضع روح الفكاهة فقال مخاطبا نفسه بصوت مسموع «أف للشراهة».
وبعيدا عن تهكم الإنسان من نفسه الذي هو تعبير عن درجة كبيرة من السخط والألم، يروي سيد أحمد أن مشكلته كانت في أنه لا يستطيع أن يصدق أن الناس الذين ضحى بمستقبله وأهله من أجلهم يمكن أن يعاملوه بهذه المعاملة، لذلك كان أي حادث مهما صغر حجمه أو أي تغيير في برنامج التعذيب يمثل بالنسبة له حافزا لتجدد أمل الخروج ببراءة واعتذار حتى وإن كان هذا الحادث أو التغيير سيحمل له تشوها في خلقته كما حدث له ذات ليلة في سمر لثلاثة من كبار قيادة البوليساريو هم، البشير مصطفى السيد، عمر العظمي والمحجوب إبراهيم (ولد أفريطيص).
يروي سيد أحمد أنه في تلك الليلة اقتاده أحد حراس المعتقل يدعى (بي بيه) إلى خارج الزنزانة وسار به نحو كثيب خارج عن البوابة الرئيسية، وحين اقترب من المكان اشتم رائحة الشاي المنعنع وسمع صوت موسيقى للفنانين الموريتانيين (سدوم ولد أيده وديمي منت آب) فأحيت الرائحة والصوت فيه ذلك الحلم بالخروج الذي دفنه بعد ما يقرب من سنتين من التعذيب الوحشي، وقال في نفسه إن هذا يعني أنه ظهرت براءته وسيقدم له الاعتذار ويطلق سراحه، خاصة أنه عرف هوية السامرين حول الموسيقى والشاي المنعنع، لكن خيبته كانت كبيرة كبر حلمه الذي تحول إلى كابوس، فبعد أن أجلسه الحارس قبالة السامرين طلبوا منه أن يعيد عليهم قصة تخابره التي سبق وأن أرغم تحت التعذيب على الاعتراف بها، وبعد أن أكملها قال له عمر العظمي عليك اللعنة ما أكذبك، ثم أمر شريكه في الجريمة المحجوب إبراهيم أن يكسر أسنانه وهو ما قام به بسرعة البرق فهوى على فمه بصفيحة من حديد هشم بها قواطعه العلوية وأعادوه إلى الزنزانة وقد فقد الأسنان التي كان يجتر بها ضمن أخرى حلمه الذي لم يتحقق.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة