كيف لفت واشنطن الحبل الخليجي حول عنق قطر

استغرب الرأي العام كثيرا للطريقة التي تعاملت بها السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومعهما مصر والأردن مع دولة قطر، ولا شك أن حتى صناع القرار في قطر فوجئوا بالهجمة الشاملة وغير المسبوقة وغير المتوقعة من قبل جيرانهم، حيث الحصار الجوي والبري والبحري وطرد الرعايا وإغلاق الأجواء وغيرها من الإجراءات القاسية التي لا يفهم منها سوى أن حكام قطر ارتكبوا عملا محظورا استدعى هذا الرد الصارم والقوي..

من جهتها، تعلل الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة وعمان قرارها بمحاصرة قطر، بسبب وجود الدوحة خلف مخططات إرهابية تشمل التعاون والدعم والتنسيق مع حركات متشددة مناوئة لمصالح العواصم المذكورة، فضلا عن تورط الدوحة في علاقات مشبوهة مع النظام الإيراني الذي يعتبر العدو رقم واحد للسعودية ودول الخليج العربي.

من جانبها، تنفي الدوحة هذه الاتهامات وتعتبر علاقاتها مع الحركات الإسلامية وإن كانت مناوئة لأنظمة الدول المذكورة، تصرفا بريئا ولا يستهدف طرفا ويدخل في استقال القرار القطري وسيادة الدوحة في اختيار من تشاء من حلفاء.

تبادلت قطر والدول المذكورة اتهامات بالتخوين والإرهاب عبر المنابر الإعلامية التي يمتلكونها وبدأ دخان الأسرار يتصاعد من مطبخ كل جهة، وتسارعت عجلة الاتهامات حتى قبل أن تبدأ عمليات الوساطة التي تقودها أطراف خليجية وعربية وإقليمية وفي مقدمتها مبادرة الكويت وتركيا والمغرب، فضلا عن دعوات الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وكندا بضرورة إيجاد حل للأزمة الخليجية بأفضل الطرق الممكنة.

الباحثون عن نتيجة لهذه الوساطات والدعوات هم مثل من يبحث عن إبرة في كومة من القش، أو أنهم يبحثون عنها في المكان الخطأ، فالأزمة القطرية الخليجية مفاتحها في البيت الأبيض وتحديدا في قمطر مكتب الرئيس ترامب.

يربط عدد من المتتبعين قرار الدول الخليجية بمقاطعة قطر بالزيارة التي قام بها ترامب إلى السعودية، وهذا الربط صحيح إلى حد ما، فالرئيس ترامب لا يتوقف عن وصف قطر في خرجاته عبر حسابه على تويتر بـ”علاقتها على أعلى مستوى لدعم الإرهاب”.

لكن الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي يعمل ترامب بواسطة ذراع وزارة الخارجية للضغط على قطر ومحاباة السعودية، حيث يصف وزير الخارجية ريكس تيلرسون الدوحة بـ”أحد أهم أوكار الإرهاب”، تعمل الإدارة الأمريكية في الوقت ذاته على محاباة قطر بواسطة ذراع وزارة الدفاع (البنتاغون) حيث يصفها زميله الوزير جيمس ماتيس بـ”الحليف الكبير في محاربة الإهاب”، ويعقد معها صفقة ببيع 36 طائرة من طراز إف 15 بقيمة 12 مليار دولار.

استوقفتني كثيرا، هذه الازدواجية في الخطاب الأمريكي حيال قطر ولم يوجد من تفسير لها سوى وجود مصلحة أمريكية في لف عنق قطر بحبل سعودي إماراتي بحريني أردني مصري وجرها إلى المسلخ من أجل الحصول على أموالها.

إن قطر من الدول الخليجية التي لم تتكبد خسائر مالية في أزمات الخليج السابقة، ولم تساهم بحجم ما ساهمت به السعودية والكويت والإمارات والبحرين في الحرب الأمريكية ضد العراق في نسختيها الثانية (عاصفة الصحراء عام 1991) والثالثة عام 2003 التي انتهت بإسقاط نظام صدام حسين واحتلال العراق.

فضلا عن ذلك تتوفر قطر على استثمارات ببلايين الدولارات عبر أوروبا وأمريكا وإفريقيا وأستراليا وآسيا، فهي في نظر ترامب خزان مالي مهم ويجب عليها أن تدفع ثمن ثروتها، وليس من طريق لذلك سوى حشرها في زاوية ضيقة وإغلاق الأبواب في وجهها وتقريب السيف من رقبتها.

تتبع الإدارة الأمريكية مع قطر الخطة نفسها التي اتبعتها مع السعودية على عهد إدارة باراك أوباما عندما أصدر الكونغرس قانون جاستا الذي بموجبه يسمح للولايات المتحدة بمقاضاة السعودية باتهامها في التورط في هجوم 11 شتنبر 2001، وكان الهدف منه هو وضع اليد الأمريكية على الودائع السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية.

اليوم ومن أجل أن تنفذ قطر بجلدها عليها أن تبحث عن الحل في البيت الأبيض وليس في الرياض أو القاهرة أو أبوظبي، وعليها أن تتعلم من الأخت الكبيرة السعودية كيف تصرفت لاستدارة انتباه الإدارة الأمريكية لفائدتها وإرجاع قانون جاستا إلى مكانه في الدولاب، وعلى حكام قطر أن يكونوا أسخياء بما يكفي لفك الحبل من حول عنقهم كما فعل أشقاهم في السعودية.

هذا إذا قرر ترامب أن تتم مصالحة ما بين قطر أو أشقائها، حيث يمكن أن يقبض المال من قطر ومن السعودية ويعقد مزيدا من الصفقات، وهو يمسك العصا من الوسط ويبقي الحال على ما هو عليه. عبد الهادي مزراري

 

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة