بعد أسابيع من استطلاع وهم «أرض الثورة».. بداية التماس مع حفرة البوليساريو

إعداد: محمد سالم الشافعي و عبد الكبير أخشيشن

كان كل همنا أن نخرج من ذلك المكان البائس الذي وضعونا فيه ونختلط بالناس لنشاركهم همومهم التي كانت بالنسبة لنا هي كل شيء، وللأمانة أقول إنه وبعد أن دخلنا المخيمات والتقينا بالناس البسطاء لم نشعر بأننا غرباء بينهم، بل أحسسنا بأنهم أكثر من أهل لنا، لذلك لن نستطيع بالرغم مما قدمناه من خدمات أن نفي الصحراويين والصحراويات النظيفين حقهم لقاء المعاملة الطيبة التي كانوا يعاملوننا بها، غير أنه وللأسف الشديد سيكون هناك وجه آخر قبيح لتلك الصورة.

بعد أن أشرف أسبوع التحقيق، الذي أجري معنا، على الانتهاء أخبرنا قائد فريق التحقيق المسمى الخليل أحمد والذي سنعرف بعد سنين بأنه من الرؤوس التي كانت وراء الانتهاكات الخطيرة التي تعرضنا لها، أخبرنا بأنه سيتم الترخيص لنا لعدة أيام كي نتجول في المخيم ونعود بعدها للالتحاق بمعسكر للتدريب، وهنا تكمن المشكلة على الأقل بالنسبة لي شخصيا، إذ لم أكن أعرف أي شخص يمكن أن أذهب إليه.

بالنسبة لرفقتي كنا نفترض أن لهم بعض الأقارب، لكن لا أحد منهم كان يعرف في أي المخيمات يقطنون، وكان عدد المخيمات يومها، أو ما يطلقون عليه الولايات، أربعة مخيمات: هي العيون، السمارة، والداخلة بالإضافة إلى مخيم الرابوني، الذي يتكون من ثلاث دوائر (مخيمات صغيرة) وهي: الفرصية، اتفاريتي وآمكالا، وكانت متجاورة وتقع غير بعيد من المكان الذي نحن فيه.

سلموا كل واحد منا ورقة صغيرة كتب عليها أنه يسمح لنا بالتوجه إلى كل المخيمات، وسألونا عن المخيم الذي سنتجه إليه، وأعتقد أنهم ما كانوا ليجدوا جوابا لولا أن رد عليهم أحمد بزيد‪ بأن يوصلونا إلى المخيم الذي توجد فيه خيمة أسويلم ولد أحمد إبراهيم، وهو أحد القادة التقليديين البارزين، وكان عضوا في البرلمان الإسباني إبان السيطرة الإسبانية على الصحراء، وكان لأحمد بزيد سابق معرفة ببعض أفراد تلك العائلة، كما كان لوالده (محمد عبد الرحمن ولد بده) على علاقة قديمة بهذه العائلة بحكم انتجاعه الدائم في الصحراء وفي الشمال الموريتاني.

في زوال اليوم الثاني من شهر ماي 1979، نقلونا من ذلك المكان البائس إلى آخر أكثر بؤسا سيعرفه الجميع فيما بعد أنه مركز أمني استعمل لتجميع الضحايا قبل ترحيلهم إلى جهنم المعروفة الآن بسجن الرشيد، وهناك وجدنا في استقبالنا المدعو المحجوب إبراهيم المعروف بولد (افريطيص)، فألقى على مسامعنا محاضرة طويلة حول الثورة وحتمية الانتصار وبناء المستقبل، إلى غير ذلك من الشعارات الحماسية المرتبطة بمثل هذا النوع من المواقف، وفي الختام قدم لنا بعض التوضيحات حول الحياة في المخيمات وبعض المحظورات التي يحظر التعاطي معها، أذكر من بينها على الخصوص أن القبلية تعتبر جريمة وكذلك ما‪ أسماه، الوجه القبيح في شجيع «النموذج الأجنبي» من عادات وتقاليد. وأوضح بأن الموسيقى الموريتانية والملابس الرجالية الموريتانية (الدراعة) تدخل في هذا الإطار.

بعد تلك المحاضرة تم نقلنا إلى مخيم «آمكالا»، حيث توجد الخيمة التي نقصدها، ولن أنسى، بعد نزولنا من السيارة، منظر ذلك الرجل المسن الوقور وهو يهم بالوقوف ليستقبلنا، بعدما تأكد أننا نقصد خيمته، وللوهلة الأولى اعتقدت أنه عرف أحمد بزيد بحكم تلك العلاقة القديمة، ولكن اعتقادي سرعان ما تبدد بعد أن سمعت صاحبنا يعرفه على نفسه، ففهمت أن الرجل كان قد شب على مكارم الأخلاق فشاب عليها، وإني لأرجو أن تكون أخلاقه في ميزان حسناته عليه رحمة الله.

خلال المجلس في ذلك اليوم، عرف رفاقي أن لهم أقارب في مخيم «الداخلة» الذي يبعد 170 كلم فقرروا أن ننتقل إليهم في اليوم الموالي، وكانت المشكلة أنه لا توجد أية وسيلة للنقل مضمونة، فالطريقة الوحيدة للتنقل هي التوجه إلى نقطة حراسة توجد على مدخل المخيم والانتظار لعل وعسى تمر سيارة متجهة إلى حيث يقصد المرابط، وهنا يلعب الحظ دوره، إذ قد تمر سيارة في نفس اليوم وقد ينتظر الإنسان لأيام.

 

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة