ليس في “زوما ” أملس

من حمادي الغاري الرباط :

لم تجد نكوسازانا دلاميني زوما ،رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي ،من سبيل لتأكيد مواقفها غير الوُدِّيَة ـ إِنْ لم نقل العدائية ـ نحو المملكة المغربية ،سوى ممارسة التماطل البيروقراطي بخصوص توزيع طلب انضمام المغرب على الدول الأعضاء في منظمة الاتحاد الإفريقي ، عِلْماً أن الرئيسة المذكورة تسلَّمت الطلب  يوم 22 شتنبر الماضي . وهو تَعَمُّدٌ يبدو أنه مقصود جسَّده التسويف الذي اختارت هذه السيدة الجنوب إفريقية ممارسته تجاه المغرب إلى جانب عدم احترامها ـ وهي رئيسة المفوضية المذكورة ـ لما ينص عليه الميثاق المُؤَسِّس، ومقتضيات عمل المنظمة الإفريقية.

إن عدم احترام هذه المسؤولة الإفريقية  لميثاق وقوانين الاتحاد الإفريقي ، إلى جانب مواقفها المعروفة من المغرب منذ زمان ، هو الذي دفع الملك محمد السادس ليطلب من الرئيس التشادي ،ادريس ديبي إتنو، بصفته رئيس الدورة ال27 لقمة الاتحاد الإفريقي ، التدخل لدى المسؤولة المذكورة من أجل القيام بواجبها وتحمّل مسؤولياتها بكل جدِّية ونزاهة.

لا يقف انتهاك وعدم احترام القوانين المنظِّمَة للاتحاد عند هذا الحد ،بل تجاوزه إلى خرق آخر سافر للاتحاد الإفريقي نفسه ولجميع الأفارقة دولا وشعوبا ،يتمثل في أنها قامت بعملها غير المسؤول وهي تعلم أن ولايتها على رأس مفوضية الاتحاد انتهت (يوم 27 يوليوز الماضي). وهذا يفسر عقدة التآمر التي تسكن الزوجة السابقة لرئيس جنوب إفريقيا ،جاكوب زوما ، الذي  يعيش منذ مدة تحت وطأة المتابعات القضائية بسبب اتهامات بالرشوة والفساد .

لماذا تأخرت المسؤولة الإفريقية  كل هذا الوقت في توزيع طلب المغرب على أعضاء الاتحاد الإفريقي ؟وما السر في عدم الاستجابة ، في الوقت المناسب ، لهذا الطلب ؟ الملاحظ أنه ، بدل أن تقوم  بمهمة توزيع الطلب المغربي ،فإنها سارعت إلى توجيه رسالة ، باسم الاتحاد الإفريقي ،إلى منظمة الأمم المتحدة ،تطالب فيها مجلس الأمن الدولي باستعمال الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة لِحمْلِ المغرب على الانصياع لِما سَمَّتْه “الشرعية الدولية “. والعجب العُجَاب أن دلاميني زوما تتحدث عن الشرعية وهي تدوسها دَوْساً وتنتهكها انتهاكا بتصرّفها غير القانوني وغير الشرعي ؛ بل لم تخجل من نفسها وهي تصف في رسالتها العجيبة أن ما قام به المغرب  في منطقة “الكاركارات” يُشَكّل تهديدا للأمن والسلام في المنطقة”، بينما المملكة تحرص وتعمل في هذه المنطقة  بالذات من أجل اسْتِتْبَابِ الأمن والسلام من خلال وضع حد للفوضى ولجميع أشكال التهريب ، وبالتالي مراقبة أيّ تحرُّك مشبوه  في مجال مفتوح  يسمح  للمهرِّبِين والإرهابيين والمغامرين بممارسة أنشطتهم  المحظورة والخطيرة في نفس الآن.

إن ما يُشْغِل خصوم المغرب في هذه الفترة بالذات هو عرقلة عودته إلى المنتظم الإفريقي بعد أن لاحظوا ولمسوا التجاوب اللافت للأفارقة مع المبادرة المغربية ،مع اقتراب موعد القمة الإفريقية بأديس أبابا،حيث ستكون هذه العودة في قلب أشغالها.لذلك يشن الخصوم حملتهم العدائية ضد  وحدته الترابية وسيادته الوطنية في الأقاليم الجنوبية من خلال توزيع الأدوار،خاصة بعد التحرك المغربي ونشاطه اللاّفت على مستوى القارة الإفريقية ،والتجاوب الكبير الذي لقيه سواء من طرف دولها وشعوبها .وهو الشيء الذي قَضَّ مضجع الخصوم وضَيَّقَ كثيرا مجال مناوراتهم ومؤامراتهم.
اللافت في الأمر أن ما قامت به دلاميني زوما ضد المغرب في المدة الأخيرة ،كان متزامنا ومدروسا مع ما قام به وزير الخارجية الجزائري ،رمطان لعمامرة ،الذي يتقاسم مع زوما نفس الموقف المعادي للمملكة  . فخلال  قمة عدم الانحياز الذي تمت بفنزويلا ،وفي اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة ، فشلت الجزائر فشلا ذريعا في  الحصول على موقف  مناهض للرباط في القمة المذكورة ؛ونفس الفشل كان في مجلس الأمن الدولي  حول مسألة عودة “المينورسو”.ولم يكن في وُسْعِ رئيس الدبلوماسية الجزائرية سوى أن يعضّ على أصابعه من هذه الخيبة .

ومن دون شك فإن الحملة ستزداد حدة لدى الخصوم مع النجاح الذي خلًَّفَتْه الجولة الملكية لدول شرق إفريقيا؛ وستزداد سعاراً لديهم بما نسجته من تقارب وتفاهم على مختلف المستويات. إلى جانب أن عودة المملكة إلى مكانها الطبيعي في الاتحاد الإفريقي جعلت فرائص من في قلبهم مرض ترتعد وترتجف ،وبَعْثَرَت أوراق الخصوم من الانفصاليين ومُحْتَضِنِيهم ومُدَعِّمِيهم ،على الخصوص في الجزائر وبريتوريا وما تَبَقَّى مِمّن يلهث وراءهما وراء السراب .

أما بالنسبة للرئيس الجنوب إفريقي ،جاكوب زوما ، الذي يعزف على نفس الوتر، فإنه يوجد في دوّامة  فضيحة فساد ورشوة  تدور حول  تأثير إحدى العائلات النافذة  عليه (آل غوبتا)، وعملها  في تعيين  أو إبعاد وزراء وموظفين سامين.وهو ما دفع أعضاء في ” المؤتمر الوطني الإفريقي” (الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا) إلى توجيه اتهامات صريحة لتلك العائلة بالتدخل في عملية استو زار عدد من الشخصيات ، إلى جانب أن التحقيق شمل دور نفس العائلة في قضية تفويت الصفقات العمومية والرخص.هذه الفضائح جعلت بريتوريا تعيش على إيقاع الاحتجاجات ضد الرئيس زوما وارتفاع حدة  الأصوات المطالبة بمحاكمته وأخرى برحيله .لكن عين دلاميني زوما،التي تتابع الوضع عن كثب، مُصَوَّبَة على كرسي الرئاسة بجنوب إفريقيا .وهي تتطلع إلى أن تحل محل زوجها السابق المُنْهَك بملفات الفساد والارتشاء على أمل أن تصبح رئيسة البلاد حتى يتسنَّى لها التفرغ لمعاكسة المغرب ومُعاداته أكثر من ذي من قبل.

يتَّضح بجلاء من خلال ما حققته المملكة من مكاسب ومن مزايا في علاقاتها وتجاوبها مع الدول الإفريقية، مدى الخناق الذي يشتد على الخصوم، ومدى الانكسار الذي حصل لهم في مساعيهم المناهضة للمغرب؛كما يتأكد أنه ليس في زُومَا أملس.. كل هذا وغيره جعل أولئك الخصوم يضربون أخماسا في أسْداس.. وما زالوا يتيهون وراء السراب.

 

 

 

 

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة