العرس الصحراوي، قداسة الرباط، و تقاليد عريقة

يعتبر الزواج رباطا مقدسا يجمع بين الجنسيين بغية استمرارية العنصر البشري ، ، لذلك أحاطت كل المجتمعات الإنسانية قضية الزواج بعناية خاصة فوضعت له قوانين وشروط خاصة، وجعلت له عادات وقيم ذات أبعاد اجتماعية، وثقافية تختلف باختلاف الانسانية والعصور كما هو الحال بالثقافة الصحراوية حيت تتسم بسمات تميزه وتطبعه بطابع خاص، وتتجلى تلك الخصائص في خضوع الزواج لعادات معينة تتضمن قيما خاصة يتمسك بها الصحراويين تمسكا شديدا.
والذي يهمنا نحن في هذه الطقوس هو ذلك التبجيل الذي يحضى به العنصر النسوي والمتمثل في تقييم العروس بمهر قد يفوق التصور وهذا في حد ذاته يدل على المكانة المتميزة بالمجتمع الصحراوي ويشعرها بانها ذات لها وجود فعلي في جل العصور وهو ما تفتقده في الكثير من المجتمعات الشرقية التي تكاد تطمس وجودها رغم التغييرات التي جاءت بها الاونة الاخيرة إلا انها كانت وستظل دون الرجل وهي مسلمة لاريب فيها وفي خضم هذا الصخب المتعالي حول المرأة يمكن كشف النقاب عن طقوس الزواج الصحراوي وما يصاحبه من مبالغ مالية تقدم على طبق من فضة لأي عروس صحراوية بغية الارتباط بها ويمر عبر مراحل سنحاول قدر الإمكان الغوص فيها،وتتبعها عبر تراتبيتها المعمول بها ومدى التعايش معها وجعلها قانون يتمشي به الوضع .

عقــدالقـــران وقــراءة الفاتحـــة:

من المعلوم أن بعض عادات الزواج عند أهل الصحراء قد تختلف من قبيلة إلى أخرى لكن يبقى الجميل هو التمسك العميق بجوهرها. فعقد القران يكون يوم ” الدفوع” و هو نفس اليوم الذي يتكلف أهل العروس بإعداد وجبة الغذاء لأن إجراءات العقد ستتم داخل بيتهم تحت اشراف الاب ولي امرها و( الطالب)وهو شيخ حافظ لكتاب الله ليتم بعد ذلك توثيق العقد بالمحكمة بحضور أولياء أمر العريس وبعض الاقارب (*) كشهود. كما يتم وضع شروط معينة بين العائلتين يجب الالتزام بها من قبيل ( لا ترحل الفتاة عن أهلها إلا بعد عام…) وعادة ما يتسامح التفاوض حول مقدار المهر، ويكون من الإبل نظرا لكون المجتمع الصحراوي رعوي. فليس هناك عدد ثابت ومحدد في مقدار المهر، فهو يختلف باختلاف العائلات ومكانتها الاجتماعية وقد يصل إلى 10.000درهم كأقل تقدير وقدر معين من الإبل بالاضافة الى حقائب العروس التي لاتقل عن ستة منها حقيبة خاصة بالحلي وأخرى للمكياج والاكبر حجما تخصص للباسها الخاص المكون من فساتين بمختلف الالوان واللحاف الصحراوي اضافة الى الاحدية والنعال وحقائب يد صغيرة عددهم لا يقل عن سبعة ، . أحيانا قد يتساهل والد العروس في مقدار المهر خصوصا إذا كان العريس من الأقارب ويكون العكس إذا كان من قبيلة أخر مع العلم ان التقييم العام الزواج لا يقل عن 50.000 درهم في المجموع العام .

الدفـــــوع :
يأتي أهل العريس بموكب طويل وعريض من السيارات في موكب جماهيري حاشد حاملين معهم كل المتطلبات التي تم الاتفاق عليها ( الإبل الحقائب محمله بملابس نسائية عطور مواد الزينة ومبلغ مالي ….) إلى ” بيت العروس” حيث أهل العروس في انتظارهم. وعند وصولهم تعلو الزغاريد والأهازيج الشعبية وصخب من الترحاب ويستقبلوا بالحليب والتمر تعبيرا عن المحبة معتبرينا اياه فال حسن لهذا النسب بين الاسرتين وعند الدخول او اثناءه

يتم ( تكاليع البند) وهو عبارة عن قماشين أبيض وأسود دأب الصحراويين على ممارسة هذه العادة عند التقاء أهل العريس والعروس حيث تتنافس المجموعتين حول أيهما يفوز به مصحوبا بنوع من اللعب والمرح قصد الترفيه وبعدها يتم تقديم وليمة كبيرة مجهزة بجميع انواع الشراب والأكل الشهي وسط عزف متواصل من طرف فرق موسيقية تتطرب اسماع الحضور .

بعيدا عن مكان العرس يجهز بيت خاص للعروسان او يحجز لهما مكان بالفندق ، حتى يأخذ الحضور الحرية في الغناء والرقص…

تتكلف بعض النساء بتجهيز مكان السهرة خيمة كبيرة ألخزانة حيث تبنى في الجانب الساحلي منها ويوضع فيها ( الرحل) وهذا المكان يخصص للعريس وعروسه أما الجانب الثاني من الخيمة فهو للرجال والنساء ولا تخلو الخيمة من أدوات الشاي حيث هو أنيس الجماعة الحلوة بجل انواعها والحليب والعصير …..

د- تجهيــــز العروسيـــــن:
في المجتمع الحساني يتم تجهيز العروسين استعدادا لليلة الدخلة وعادة تكون هذه التجهيزات تقليدية، تستمد طابعها الصحراوي المحلي.

يستحم العريس ( مولاي ) ويرتدي ملابسه التقليدية التي تكون من ( دراعتين ) إحداهما بيضاء والأخرى زرقاء ( وسروال العرب) من قماش ( الشكة) وبلغة (كرك) ولثام ويتعطر بالعطورالطيبة.

أما العروس فتتولى تجهيزها إحدى قريباتها أو خادم تكلفها والدة العروس. تستحم هذه الأخيرة وتقوم بظفر شعرها وتزيينها بأجمل الحلي، وبعدها ترتدي ملابس تقليدية تتكون من ( ملحفة) سوداء من قماش ( النيلة)، و(ملحفة) من قماش ابيض ، وترتدي بلغة ( كرك) لونها اسود. ونجد قريباتها يرددن في حزن بعض الأهازيج الشعبية استعداد لفراق الابنة التي ستودع حياة العزوبة

ويرددن أيضا:

يا لعــــروس تعشـــــاي سابك(**) ما جا لعريس

كومي درك(***) تمشـاي والصبح يجيك دريـس (****)

هـ – ليلة الدخلــــة ( التـــــرواح) :
عادة في ليلة الدخلة وهي الليلة الرسمية في هذا الزواج ككل يتوافد على خيمة العرس الناس على اختلاف أعمارهم، ومن أماكن بعيدة، وهم يرتدون الزي الصحراوي الأصيل لمشاركة أهل العريسين أفراحهم، وهو مناسبة لجمع الشمل وفض الخلافات والترويح عن النفس.

يتم ترواح العريس برفقة أصدقائه في موكب يتقدمه ” لوزير”-وهو صديق مقرب للعريس يكون متزوج له خبرة في الزواج- وعند وصولهم إلى مكان العروس، يدور بها الموكب ثلاثة مرات إعلانا منهم عن بداية حياة جديدة حيث تعلوا اصوات الطبول والأغاني الحسانية المعبرة عن تهنئة العروسين :

ألا هي أنشــأ الله عريس الخير يــا الله

وللإشارة، فقد جرت العادة عند ألصحراويين أن العريس ليلة الدخلة لا يتكلم مع أي أحد إلا بعد الدخلة خوفا من ( كبيظ الظهر)، حيث ينوب عنه ” لوزير ” في كل شيء.

ويتكلف بعض أصدقاء العريس بالذهاب إلى مكان أهل العروس لحملها للعريس لكن العروس تهرب إلى بيت

صحبة إحدى صديقاتها ، فينهمك أصدقاء العريس في البحث عنها حتى يجدونها، فيتكلف أحدهم بحملها وعادة ما يكون من المقربين إليها.

وفي طريقهم إلى خيمة العرس تجد أهل العريس يرددون:

هدي الصيدة(*) صيدناها ومنت (**) تفكراشت ديناها

زيدي علينا باقدامـــــك يجعل البراكة كدامك ( أمامك)

ويرد عليهم أهل العروس :

ما نجوكم ما جبناهــا يا مات اللوايا (***) الســـود

راشكات البند وراها(****) ساريات(*****) والناس ركود (******)

وعند اقترابهم من خيمة ألعرس يتقدم العريس ليحملها ويدخلها الخيمة لكن قد يتعرض له بعض الشباب ويدخلون في عراك معه محاولين انتزاعها منه وهذا يعرف بـ ( تكليع العروس)، ويقوم العريس بصدهم بمساعدة اصدقائه (الخزانة) ليدخلها إلى المكان المخصص لهما، محاولة الهروب منه تعبيرا عن حشمتها ليخرج الجميع تاركا العريس ينفرد بعروسه. وفي الخارج تعلو الاصوات كلها نغم وغناء صحراوي قح ويتحلق البعض حول( الطبل) في جو احتفالي بهيج، .

وفي هذه الأثناء يتم ( ربيط الكدرة) خاصة عند بعض القبائل ، بعدها يتفرق الجميع تاركين العريسين.

وفي صبيحة اليوم الثاني تتولى إحدى قريبات العروس مع والدتها في تحضير مايسمى بالفسخة وهي هدية كبيرة يلزم بها اهل العروس تتكون من اللحاف والاحدية واطباق الطاوس الاصلي مع ستون قارورة صغيرة من الحناء والقرنفول ووسادات الجلد التقليدي وصينيات شاي عددها عشرة وتحمل هذه الهدايا الى ام العريس ، حيث تجلس العروس إلى جانب العريس وهي ترتدي افضل ماجاء به العريس في حقيبة المهر ويأتي الرجال والنساء لتهنئة العريس وطلب العادة وقد يردد البعض:

يالعريس عطينا عادتنا وألا نولوا فمنيتنا

والعادة عبارة عن التمر والحلوى وبعض الفواكه الجافة يقوم بتوزيعها على ألحاضرين كما يقوم البعض بمس رأس العريس كفأل خير عليه ليحدو حدوها:

يا بوها كيف لعمامــــــــة وراه الطفيلة ما هي حشمانــــة

يا دوك لكنتو تلومــوهــــا تعالو اليــــوم تشوفـــــــوهــــا

وجباي أجباي يا لحمامــة وإلى جبيتي مانـــك حشمانــــة

وقبة لحرير ومغطاهــــــا واجباها يا العارف معناهـــــــا

غزيتي إلين كومتي مالــك إلين فرحتي بيــــه رجالـــــــك

سريتي يا خيتي وبكرتــي وإيزارك زوين وغزيتـــــــــي

يا طفيلة كولي شبغيتـــــي وايزارك زين وغزيتـــــــــــي

يراد بهذه الترديدات التنويه بالعروس والاعتزاز بها لأنها حافظت على شرفها وشرف الأسرة.

وتستمر ليالي الاحتفال بالعرس الصحراوي التقليدي سبعة أيام بالنسبة للبكر، وثلاثة بالنسبة للتيب، ويوم واحد بالنسبة لعريسين سبق لهما الزواج .

وخلال هذه الليالي يحج الناس من كل صوب وحذب، حيث تأتي الفتيات غير المتزوجات ( بارزات ) أي في كامل زينتهن، من اجل لفت نظر وإعجاب الرجال. وأثنائها يستمر الغناء والرقص، حيث يتكلف من له صوت جميل بإنشاد الأغاني الشعبية الصحراوية من ” ألهول”

و” لشوار” و”تربط الكدرة” خاصة عند قبائل ثكنا. ويكون العرس فضاء لتباري الشعراء في مدح العريسين أو مغازلة الفتيات وكل من لفتت أي فتاة نظره يمكنه التغزل فيها عن طريق الشعر والتعبير عن مشاعر يكنها لها سابقا معتبرين الشعر متنفس للتخلص من قيود العادات والتقاليد اذ يمكنه البوح عما يكنه من احاسيس حتى اقص الحدود والاكثر من هذا حرية المتزوج في التغزل الشعري في زوجته هذا هو اجمل مايمكن حصره في المجتمع الصحراوي وهو امر يستحيل في مجتمعات اخرى.

الرحيــــــل:
بعد نهاية احتفالات حفل الزفاف تنهمك عائلة العروس في تجهيز بيت ابنتهم، وتختلف مدة الإعداد فهي قد تطول أو تقصر حسب الحالة المادية للأسرة من جهة وحسب الاتفاق المسبق بين الطرفين من جهة ثانية، وعادة ما تكون المدة عام أو أكثر أو أقل ويتم تجهيزها بتلك الهدايا التي يحضرها اقاربها اذا تتراوح بين تلفاز وثلاجة زرابي صالون … اما فيما يخص اتاث بيت النوم يتكلف به الاب نظرا لثمنه الباهظ وبالتالي يكون بيتها مجهز بجميع المتطلبلت قد تصل احيانا الى توفير ابسط الاشياء التي قد تحتاجها بالمطبخ وهذا امر يتطلب من الاسرة الصبر والتفاني الى اقصى الحدود وبعد الانتهاء من هذه المهمة تسند للعريس توفير وسيلة النقل مع تحمل جميع مصاريفه ولتبسيط الامور امام العروس وبغية جعلها تتقبل الحياة الجديدة لا تسافر بمفردها بل يرافقها أحد أفراد العائلة في الرحلة، أو يمنح والد العروس ” خادم لخدمتها إذا كان ميسور الحال.

ويستقبل أهل العريس العروس بحفاوة كبيرة حيث تذبح رؤوس الغنم احتفالا بقدومها وترحيبا بها. ليبدأ الزوجين حياتهم الزوجية العادية التي تخضع لثقافة المجتمع الحساني والمستوحاة من الظروف الطبيعية، والاجتماعية التي تتميز بها حياة البدو.

ونخلص هنا، بان الزواج في المجتمع الحساني مؤسسة اجتماعية، تتخللها احتفالات تتأسس على قيم خاصة، يتمسك بها الصحراويين حتى النخاع، رغم دخول أنماط جديدة في حياتهم، خصوصا بعد تطورات طالت حياتهم الا ان تلك القناعات الداخلية بالعادات كانت وستبقى متاصلة رغم انها تتثقل كاهن الكثير من ذوي المدخول المتوسط الا ان الكف عنها اوتغييرها بات شيئا مستحيلا اذلا يمكن التخلي عنه تحت أي ظرفية على مر الزمان.

محمد سالم الشافعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي من القرصنة